• ×

02:58 صباحًا , الخميس 16 مايو 2024

سورة البقرة الجزء الرابع

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ، وَقَدْ جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ وُجُوبِ الصَّوْمِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ الْآيَةَ [2 185] .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْحَقُّ، أَنَّ قَوْلَهُ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ الْآيَةَ [2 185] .
الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى «يُطِيقُونَهُ» لَا يُطِيقُونَهُ بِتَقْدِيرِ لَا النَّافِيَةِ، وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ الْآيَةُ مُحْكَمَةً، وَيَكُونُ وُجُوبُ الْإِطْعَامِ عَلَى الْعَاجِزِ عَنِ الصَّوْمِ كَالْهَرِمِ وَالزَّمِنِ، وَاسْتُدِلَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقِرَاءَةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ «يُطَّوَّقُونَهُ» بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَالْوَاوِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ بِمَعْنَى يَتَكَلَّفُونَهُ مَعَ عَجْزِهِمْ عَنْهُ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَيَجِبُ عَلَى الْهَرِمِ وَنَحْوِهِ الْفِدْيَةُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ، مُسْتَدِلًّا بِفِعْلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا الْآيَةَ.
هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِقِتَالِ الْكُفَّارِ إِلَّا إِذَا قَاتَلُوهُمْ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ قِتَالِ الْكُفَّارِ مُطْلَقًا قَاتَلُوا أَمْ لَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ [2 193] .
وَقَوْلِهِ: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [9 5] .
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ [48 6] .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأُمُورٍ:
الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَحْسَنُهَا وَأَقْرَبُهَا، أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: «الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ» تَهْيِيجُ الْمُسْلِمِينَ وَتَحْرِيضُهُمْ عَلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالِهِمْ هُمْ خُصُومُكُمْ وَأَعْدَاؤُكُمُ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً [9 36] ، وَخَيْرُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الْقُرْآنُ الْقُرْآنُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَهَذَا مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ ظَاهِرٌ حَسَنٌ جِدًّا، وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ الْبَالِغَةِ فِي التَّشْرِيعِ، أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ تَشْرِيعَ أَمْرٍ عَظِيمٍ عَلَى النُّفُوسِ رُبَّمَا يَشْرَعُهُ تَدْرِيجًا لِتَخِفَّ صُعُوبَتُهُ بِالتَّدْرِيجِ، فَالْخَمْرُ مَثَلًا لَمَّا كَانَ تَرْكُهَا شَاقًّا عَلَى النُّفُوسِ الَّتِي اعْتَادَتْهَا، ذَكَرَ أَوَّلًا بَعْضَ مَعَائِبِهَا بِقَوْلِهِ: قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ [2 219] .
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ حَرَّمَهَا فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى الْآيَةَ [2 43] .
ثُمَّ لَمَّا اسْتَأْنَسَتِ النُّفُوسُ بِتَحْرِيمِهَا فِي الْجُمْلَةِ حَرَّمَهَا تَحْرِيمًا بَاتًّا بِقَوْلِهِ: رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [5 90] .
وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ لَمَّا كَانَ شَاقًّا عَلَى النُّفُوسِ شَرَعَهُ أَوَّلًا عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِطْعَامِ ثُمَّ رَغَّبَ فِي الصَّوْمِ مَعَ التَّخْيِيرِ بِقَوْلِهِ: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [2 184] ، ثُمَّ لَمَّا اسْتَأْنَسَتْ بِهِ النُّفُوسُ أَوْجَبَهُ إِيجَابًا حَتْمًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ الْآيَةَ [2 185] .
وَكَذَلِكَ الْقِتَالُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ شَاقٌّ عَلَى النُّفُوسِ، أَذِنَ فِيهِ أَوَّلًا مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ بِقَوْلِهِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا الْآيَةَ [22 39] .
ثُمَّ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ قِتَالَ مَنْ قَاتَلَهُمْ دُونَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْهُمْ بِقَوْلِهِ: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ.
ثُمَّ اسْتَأْنَسَتْ نُفُوسُهُمْ بِالْقِتَالِ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ إِيجَابًا عَامًّا بِقَوْلِهِ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ الْآيَةَ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ الصَّوَابُ، أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ وَأَنَّ مَعْنَاهَا: قَاتِلُوا الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ، أَيْ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ.
أَمَّا الْكَافِرُ الَّذِي لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ الْقِتَالُ كَالنِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ وَالشُّيُوخِ الْفَانِيَةِ وَالرُّهْبَانِ وَأَصْحَابِ الصَّوَامِعِ، وَمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَلَا تَعْتَدُوا بِقِتَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الصَّبِيِّ، وَأَصْحَابِ الصَّوَامِعِ، وَالْمَرْأَةِ وَالشَّيْخِ الْهَرِمِ إِذَا لَمْ يُسْتَعَنْ بِرَأْيِهِ.
وَأَمَّا صَاحِبُ الرَّأْيِ فَيُقْتَلُ كَدُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ، وَقَدْ فَسَّرَ هَذِهِ الْآيَةَ بِهَذَا الْمَعْنَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ الْآيَةَ.
هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الِانْتِقَامِ، وَقَدْ أَذِنَ اللَّهُ فِي الِانْتِقَامِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ الْآيَةَ [42 41] .
وَكَقَوْلِهِ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [4 148] .
وَكَقَوْلِهِ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ الْآيَةَ [22 60] .
وَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ [42 39] .
وَقَوْلِهِ: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [42 40] .
وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى الْعَفْوِ وَتَرْكِ الِانْتِقَامِ، كَقَوْلِهِ: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [15 85] .
وَقَوْلِهِ: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [3 134] .
وَكَقَوْلِهِ: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [41 34] .
وَقَوْلِهِ: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [42 43] .
وَقَوْلِهِ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [7 199] .
وَكَقَوْلِهِ: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [25 63] .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّهَ بَيَّنَ مَشْرُوعِيَّةَ الِانْتِقَامِ، ثُمَّ أَرْشَدَ إِلَى أَفْضَلِيَّةِ الْعَفْوِ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [16 126] ، وَقَوْلُهُ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [4 148] ، فَأَذِنَ فِي الِانْتِقَامِ بِقَوْلِهِ: «إِلَّا مَنْ ظُلِمَ» .
ثُمَّ أَرْشَدَ إِلَى الْعَفْوِ بِقَوْلِهِ: إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [4 149] .
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الِانْتِقَامَ لَهُ مَوْضِعٌ يَحْسُنُ فِيهِ، وَالْعَفْوُ لَهُ مَوْضِعٌ كَذَلِكَ، وَإِيضَاحُهُ أَنَّ مِنَ الْمَظَالِمِ مَا يَكُونُ فِي الصَّبْرِ عَلَيْهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ اللَّهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غُصِبَتْ مِنْهُ جَارِيَتُهُ مَثَلًا إِذَا كَانَ الْغَاصِبُ يَزْنِي بِهَا فَسُكُوتُهُ وَعَفْوُهُ عَنْ هَذِهِ الْمَظْلَمَةِ قَبِيحٌ وَضَعْفٌ وَخَوْرٌ تُنْتَهَكُ بِهِ حُرُمَاتُ اللَّهِ، فَالِانْتِقَامُ فِي مِثْلِ هَذَا وَاجِبٌ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: فَاعْتَدُوا الْآيَةَ.
أَيْ كَمَا إِذَا بَدَأَ الْكُفَّارُ بِالْقِتَالِ فَقِتَالُهُمْ وَاجِبٌ، بِخِلَافِ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ بَعْضُ إِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ بِكَلَامٍ قَبِيحٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَعَفْوُهُ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، وَقَدْ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي:
إِذَا قِيلَ حِلْمٌ فَلِلْحِلْمِ مَوْضِعٌ ... وَحِلْمُ الْفَتَى فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ جَهْلُ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ إِلَّا بِقَيْدِ الْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ الْعَمَلَ مُطْلَقًا، وَلَوْ رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَكُلُّ مَا عَمِلَ قَبْلَ الرِّدَّةِ أَحْبَطَتْهُ الرِّدَّةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ الْآيَةَ [5 5] .
وَقَوْلِهِ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الْآيَةَ [39 65] .
وَقَوْلِهِ: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [6 88] .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ تَعَارُضِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، فَتُقَيَّدُ الْآيَاتُ الْمُطْلَقَةُ بِالْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ وَهَذَا مُقْتَضَى الْأُصُولِ، وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَخَالَفَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدَّمَ آيَاتَ الْإِطْلَاقِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَجْرى عَلَى الْأُصُولِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ الْآيَةَ.
هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ كُلِّ كَافِرَةٍ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ [60 10] ، وَقَدْ جَاءَتْ آيَةٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ بَعْضِ الْكَافِرَاتِ وَهُنَّ الْحَرَائِرُ وَالْكِتَابِيَّاتُ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [5 5] .
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ تُخَصِّصُ قَوْلَهُ: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ أَيْ مَا لَمْ يَكُنَّ كِتَابِيَّاتٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ إِنْكَارِهِ عَلَى طَلْحَةَ تَزْوِيجَ يَهُودِيَّةٍ وَعَلَى حُذَيْفَةَ تَزْوِيجَ
نَصْرَانِيَّةٍ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا كَرِهَ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّاتِ لِئَلَّا يَزْهَدَ النَّاسُ فِي الْمُسْلِمَاتِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي، قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

قَوْلُهُ تَعَالَى. وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ الْآيَةَ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى أَنَّ كُلَّ مُطَلَّقَةٍ تَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ، وَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ أَنَّ بَعْضَ الْمُطَلَّقَاتِ يَعْتَدُّ بِغَيْرِ الْأَقْرَاءِ، كَالْعَجَائِزِ وَالصَّغَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ - إِلَى قَوْلِهِ - وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [65 4] وَكَالْحَوَامِلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [65 4] ، مَعَ أَنَّهُ جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى أَنَّ بَعْضَ الْمُطَلَّقَاتِ لَا عِدَّةَ عَلَيْهِنَّ أَصْلًا، وَهُنَّ الْمُطَلَّقَاتُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا الْآيَةَ [33 49] .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ آيَةَ: «وَالْمُطَلَّقَاتُ» عَامَّةٌ، وَهَذِهِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ أَخَصُّ مِنْهَا فَهِيَ مُخَصِّصَةٌ لَهَا، فَهِيَ إِذًا مِنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا.
هَذِهِ الْآيَةُ يَظْهَرُ تَعَارُضُهَا مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [2 240] ، وَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ الْأُولَى نَاسِخَةٌ لِهَذِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَهَا فِي الْمُصْحَفِ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهَا فِي النُّزُولِ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ هِيَ الْأُولَى فِي الْمُصْحَفِ وَهِيَ نَاسِخَةٌ لِآيَةٍ بَعْدَهَا فِيهِ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا هَذَا الْمَوْضِعُ، الثَّانِي آيَةُ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [33 50] ، هِيَ الْأُولَى فِي الْمُصْحَفِ وَهِيَ نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ الْآيَةَ [33 52] ، لِأَنَّهَا وَإِنْ تَقَدَّمَتْ فِي الْمُصْحَفِ فَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ فِي النُّزُولِ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِالنَّسْخِ وَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَحْرِيرُ الْمَقَامِ فِي سُورَةِ «الْأَحْزَابِ» .

قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ.
هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرِهُ أَحَدٌ عَلَى الدُّخُولِ فِي الدِّينِ، وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [10 99] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ [42 48] ، وَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مَا يَدُلُّ عَلَى إِكْرَاهِ الْكُفَّارِ عَلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ بِالسَّيْفِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ [48 16] ، وَقَوْلِهِ: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ [2 193] ، أَيْ شِرْكٌ.
وَيَدُلُّ لِهَذَا التَّفْسِيرِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَدِيثَ، وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا بِأَمْرَيْنِ:
الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي خُصُوصِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ قَبْلَ نُزُولِ قِتَالِهِمْ لَا يُكْرَهُونَ عَلَى الدِّينِ مُطْلَقًا وَبَعْدَ نُزُولِ قِتَالِهِمْ لَا يُكْرَهُونَ عَلَيْهِ إِذَا أَعْطَوُا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى خُصُوصِهَا بِهِمْ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَكُونُ مِقْلَاةً فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا إِنْ عَاشَ لَهَا وَلَدٌ أَنْ تُهَوِّدَهُ، فَلَمَّا أُجْلِيَتْ بَنُو النَّضِيرِ، كَانَ فِيهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ فَقَالُوا: لَا نَدَعُ أَبْنَاءَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ.
الْمِقْلَاةُ: الَّتِي لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، وَفِي الْمَثَلِ: أَحَرُّ مِنْ دَمْعِ الْمِقْلَاةِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ نَزَلَتْ: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ يُقَالُ لَهُ: الْحُصَيْنُ، كَانَ لَهُ ابْنَانِ نَصْرَانِيَّانِ وَكَانَ هُوَ مُسْلِمًا، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ: أَلَا أَسْتَكْرِهُهُمَا فَإِنَّهُمَا قَدْ أَبَيَا إِلَّا النَّصْرَانِيَّةَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ سَأَلَهُ أَبُو بِشْرٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: خَاصَّةً؟ قَالَ: خَاصَّةً.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادَيْنِ فِي قَوْلِهِ: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَالَ: أُكْرِهَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أُمَّةً أُمِّيَّةً لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ يَعْرِفُونَهُ، فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ غَيْرُ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُكْرَهْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْكِتَابِ إِذَا أَقَرُّوا بِالْجِزْيَةِ أَوْ بِالْخَرَاجِ وَلَمْ يُفْتَنُوا عَنْ دِينِهِمْ فَيُخَلَّى سَبِيلُهُمْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ أَوْ قَالَ: أُمِرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقَاتِلَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ إِلَّا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوِ السَّيْفَ، ثُمَّ أُمِرَ فِيمَنْ سِوَاهُمْ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ، فَقَالَ: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَالَ: وَذَلِكَ لَمَّا دَخَلَ النَّاسُ فِي الْإِسْلَامِ وَأَعْطَى أَهْلُ الْكِتَابِ الْجِزْيَةَ، فَهَذِهِ النُّقُولُ تَدُلُّ عَلَى خُصُوصِهَا بِأَهْلِ الْكِتَابِ الْمُعْطِينَ الْجِزْيَةَ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ فِيهَا عُرِفَ بِالنَّقْلِ عَنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ لَا بِمُطْلَقِ خُصُوصِ السَّبَبِ، وَمِمَّا يَدُلُّ لِلْخُصُوصِ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلَاسِلِ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَاتِ الْقِتَالِ كَقَوْلِهِ: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ الْآيَةَ [9 5] ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ سُورَةَ «الْبَقَرَةِ» مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَسُورَةُ «بَرَاءَةَ» مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ بِهَا، وَالْقَوْلُ بِالنَّسْخِ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَآيَاتُ السَّيْفِ نَزَلَتْ بَعْدَ نُزُولِ السُّورَةِ الَّتِي فِيهَا: «لَا إِكْرَاهَ» الْآيَةَ، وَالْمُتَأَخِّرُ أَوْلَى مِنَ الْمُتَقَدِّمِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ الْآيَةَ.
هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى أَنَّ الْوَسْوَسَةَ وَخَوَاطِرَ الْقُلُوبِ يُؤَاخَذُ بِهَا الْإِنْسَانُ مَعَ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى دَفْعِهَا، وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُكَلَّفُ إِلَّا بِمَا يُطِيقُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [2 286] ، وَقَوْلِهِ: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [64 16] .
وَالْجَوَابُ أَنَّ آيَةَ: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا.

بواسطة : essaher
 0  0  1.5K
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 02:58 صباحًا الخميس 16 مايو 2024.