• ×

08:52 مساءً , الخميس 9 مايو 2024

دورات الألعاب الأولمبية القديمة ج2

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

سابعاً: أهم شروط الاشتراك في المسابقات الرياضية.

1. أن يكون المتنافس يونانيا حراً. فقد منع العبيد من الاشتراك، ولكن سمح لهم بالمشاهدة بعد استئذان السلطات.وكذلك الأجانب الذين لقبوا بالبرابرة Barbaroi، ولكنهم استثنوا الرومان، لأنهم كانوا أولي بأس شديد وقوة.

2. أن يكون رجلاً بالغاً، وسمح للصبيان بالمشاركة بعد عام 632 ق.م، بشرط أن يضمنهم أولياء أمورهم.

3. أن يكون المتسابق حسن السير والسلوك، حتى لاتُدنس طهارة الشعائر.

4. أن يكون المتسابق عضواً في مجتمع سياسي.

5. التأكد من أن المتسابق أمضى عشرة أشهر في التدريب قبل الاشتراك.

6. عدم خرق الهدنة المقدسة، سواء على يد أفراد أو مدن.

ويتم اختيار اللاعبين من قبل حكام مدنهم. وكان محرماً على المرأة دخول الغابة المقدسة؛ لأن المتسابقين كانوا يتسابقون وهم عراة، بعد دخول لعبة المصارعة عام 708ق.م. وكان المتصارعون يتبارون بأرديتهم، واشتكى أحد المصارعين أنه أثناء المباراة سقط رداؤه، فتوقف عن اللعب، وانهزم، فتقرر بعدها أن يتصارع المتبارون عراة، فمنعت المرأة من المشاهدة. ولكن المرأة الوحيدة التي سمح لها بالمشاهدة هي خاميني Chamyne كاهنة الربة (ديميتر) Demeter، لأنها كانت رمزاً لطهارة الربة، وعضواً شرفياً في المهرجان.

والمرأة الوحيدة التي خرجت عن التقاليد الأولمبية، هي "فيرينيس"، وكان لديها دافع قوي، جعلها تغامر بحياتها وتحضر السباق؛ لأنها ابنة بطل أولمبي وأخت ثلاثة أبطال أولمبيين؛ وبعد وفاة زوجها كرست حياتها لابنها، وأخذت تدربه، لتجعل منه بطلاً أولمبياً، وعندما حان وقت المهرجان الأولمبي، ذهبت مع ابنها متنكرة، في زي مدرب، وتمكنت من دخول منصة المدربين، وعندما تحقق حلمها، وفاز ابنها ببطولة الملاكمة، لم تستطع كتمان صيحة الفرح، فاكتشفوا أمرها، فكادوا أن يفتكوا بها، جزاءً لخروجها عن التقاليد، ولكن عقلاء القوم، تداركوا الأمر، ومنحوها حق الحياة، والاستمتاع بالأمجاد، بعد ما تبين لهم، أن أباها، وإخوتها، وابنها، أبطالٌ أولمبيون، فقد كانت مكانة البطل الأولمبي سامية ورفيعة..

ويشترط وصول الأبطال المشاركين في الألعاب، قبل الموعد بشهر كامل، إلى أولمبيا، ويتم تسجيل أسماء المشاركين من قبل الحكام، ويخضعون لفحص دقيق، للتأكد من أن أصولهم يونانية، وأنهم فعلاً رياضيون. ويقضي الرياضيون شهراً كاملاً في التدريب، تحت إشراف القضاة، وكان القضاة أحياناً ينافسون الرياضيين بأنفسهم لاختبار مدى قدرتهم وكفاءتهم، ويعتبر ذلك شرطاً من شروط المشاركة في المسابقات الرياضية.

ثامناً: تنظيم المهرجان الأولمبي.

كان تنظيم المهرجان الأولمبي عملاً شاقاً وصعباً، ويحتاج إلى مجهود كبير لكثرة الوافدين على المهرجان، إذ كانت كل مدينة ترسل وفداً رسمياً كبيراً من خيرة قادتها، ونبلائها، وساستها، وخطبائها، وكهنتها، وشعرائها، وفلاسفتها؛ لأن المهرجان الأولمبي كان ميداناً فسيحاً ـ أشبه بسوق عكاظ عند العرب ـ يتبادلون فيه الآراء والأفكار ويظهرون القوة، والعظمة، والثراء، ويتم التفاوض من أجل الصلح بين المتحاربين، تحت ظل الهدنة، وإحلال المحبة، والتعاون، والإخاء، والتصاهر.

وكان أهل إليس هم المسؤولين عن تنظيم المهرجان الأولمبي حسب اتفاقية "الهدنة المقدسة".

1. نظام التحكيم

كان أهل مدينة إليس ينتخبون مجلساً من قضاة الإغريق ليقوموا بالتحكيم، بين المتسابقين ويطلق عليهم اسم "هيللانوذيكيس" Hellanodikes، وزاد عدد القضاة بزيادة عدد اللعبات. في البداية كان يقوم بالتحكيم قاضٍ واحدٍ ثم زاد إلى أن وصل عددهم إلى عشرة قضاة، ثم وصل عددهم إلى اثني عشرة، وفي النهاية أصبح عددهم عشرة بعد عام 348 ق.م.

وكان القضاة يتميزون بعباءاتهم الأرجوانية، وبأكاليل أغصان الزيتون على هاماتهم، وكانوا يحظون بالعناية الفائقة، وخصصت لهم أماكن تطل على الاستاد تسمى "هيللانوذيكيونا" Hellanodikeona ، لاطلاعهم على واجباتهم، وعلى اللوائح المنظمة للمسابقات. وكانت مهمة الحكام الأساسية تتمثل في الإشراف على المهرجان، وتطبيق القانون والنظام، ومنع أي انفعال يؤدي إلى فوضى أو اضطرابات، والتحكيم بين المتنافسين، دون تحيز. وكانت للقضاة سلطة واسعة مثل فرض الغرامات وجلد المشاغبين أمام الجمهور، وإيقاف المخالفين وإبعادهم، وكان يعاونهم في ذلك رجال يماثلون رجال الأمن في العصر الحديث. يحملون العصا والسياط فقط، لأن حمل السلاح محرم في أولمبيا. وكان الإغريق يتباهون، بأنهم حققوا أقصى درجات العدل في القوانين المنظمة للمسابقات الأولمبية، ولكي يتحققوا من ذلك عرضوها على المصريين؛ لأنهم أسبق منهم حضارة. فأرسلوا مندوباً منهم إلى مصر وملكها "ابسماتيك الثاني"، حوالي 610 ق.م، فأوجد لهم ثغرة وهي أنهم يقصرونها على الإغريق الهيللينيين دون الأجانب، ولكنهم لم يقتنعوا بذلك لأنهم إن أشركوا الأجانب يهدموا الهدف الأول من تنظيم الألعاب الأولمبية، وهو إيجاد نوع من الوحدة القومية بين قبائلهم.

2. العقوبات والجزاءات

إذا خالف المتسابق قوانين اللعبة، وفاز بالغش أو الخداع اعتبر خاسراً، ويحرم من الاشتراك في المسابقات الأولمبية مدى الحياة، ويدفع غرامة مالية كبيرة لسلطات معبد زيوس، ومن تلك الغرامات، تقام مجموعة من التماثيل البرونزية لسيد الأولمب، يطلق عليها مجموعة العقاب، وكانت مقامة في مواجهة الأسوار الشرقية والشمالية.

وقبل يومين من افتتاح الدورة، ينطلق عادة موكب الدورة من "إليس" Elis، ويسير الموكب عبر طريق الغابة المقدسة إلى أولمبيا، ويتقدم الموكب ملك "إليس"، وحكامها ويتبعهم الكهنة، والمستشارون، ثم القضاة بملابسهم الأرجوانية، ثم الوفود الرسمية، ومع كل وفد أبطاله الرياضيون، وأبطال سباق العربات، وعرباتهم، ثم المدربون والأبطال الصغار، ومعهم أولياء الأمور.

تاسعاً: برنامج المهرجان الأولمبي

يستمر برنامج الدورة الأولمبية القديمة، خمسة أيام. وكان هناك خلاف بين المؤرخين على نمط سير البرنامج، خلال أيامه الخمسة. ويشترط وصول الأبطال المشاركين في الألعاب، قبل الموعد بشهر كامل، من المدن اليونانية إلى أولمبيا، ويتم تسجيل أسمائهم من قبل القضاة (الحكام)، ويخضعون لفحص دقيق، للتأكد من أن أصولهم يونانية، وأنهم فعلاً رياضيون. كما يأتي المشاهدون خلال هذا الشهر، ويقيمون في ضواحي أولمبيا، ويعقدون حلقات الشعر، والموسيقى، والخطابة، والرقص، والغناء، ويسعى التجار إلى ترويج بضائعهم، ويعرض الصناع أبدع ما صنعوا، ويغتنم السياسيون هذه الفرصة للدعاية لآرائهم، ويطرح الفلاسفة نظرياتهم، ويبدأ المهرجان كالتالي:

اليوم الأول

تقام فيه الطقوس الدينية للمهرجان (مثل حفل الافتتاح في العصر الحديث)، وفيه يجرى استعراض الحكام بعباءاتهم الأرجوانية، وسفراء المدن اليونانية الذين يحملون الهدايا الثمينة للمعبد، ويسير الكهنة مصطحبين معهم الأضحيات لتقديمها قرابين لوالد الآلهة "زيوس"، وتنشد الأناشيد الجنائزية، حول ضريح رمزي لآخيل، وعند الغروب تراق الدماء على" ضريح بيلوبس" لتذكر مرة أخرى بأصل هذه العبادات ومنبعها. وتقوم النساء بمسيرة إلى مدينة "إليس".

و تقام فيه صلوات الشكر، لسيد الأولمب "زيوس"، وتقديم القرابين والنذور، بأسماء المشتركين، وباسم الدولة المضيفة، وكانوا يؤدون القسم أمام محراب الإله زيوس، حامي العهود Horkios. وكان القَسَمُ يُتلى على قربان، هو في الغالب خنزير بري مقسّم أربعة أجزاء، وكان ينضم إلى المشتركين، في القسم المقدس ذووهم، رمزاً لوحدة الأسرة اليونانية وتماسكها. وقد وصف الأديب والرحالة باوسانياس هذا المشهد بقوله:"ولم يدر بخاطري أن أسأل عمّا كانوا يفعلون بلحم الخنزير(القربان)، بعد أن يتلوا الرياضيون القَسَمَ، لأنه طبقاً لعُرف موضوع منذ قديم الزمن، كان يُحرّم لحم أي قربان يُتلى قَسَمٌ فوقها". وكان القَسَم يتضمن تعهد كل لاعب، بأنه قضى فترة كافية ـ لا تقل عن عشرة أشهر ـ بغرض الاستعداد للاشتراك في هذا المهرجان، وأنهم لن يسلكوا سلوكاً غير مشرف، أو منافٍ لقواعد الرياضة، والعرف، والأخلاق، أما القُصّر من المشاركين، فكان أولياء أمورهم يتلون القسم نيابة عنهم. وكان يقام في مدينة "إليس" Elis، معسكر إعداد لتدريب الذين يشتركون لأول مرة، لتعويدهم على السّلوك الرياضي المتبع. وتقوم النساء بمسيرة إلى مدينة "إليس"، التي تبعد ثلاثين كيلو متراً.

اليـوم الثاني

يأخذ الجمهور أماكنهم في الصباح الباكر، وعند شروق الشمس، تعزف الموسيقى، ويسير موكب المتبارين، ويتقدمهم الحكام، بينما يصطف الجمهور على جانبي الطريق، يهتفون ويدعون لهم بالنصر. وعند دخول المتبارين إلى الملعب، يأخذ كل منهم، مكانه الذي أعد له، ثم تدوي الأبواق معلنة بداية الألعاب، ثم ينادي المنادون على المتبارين، الواحد تلو الآخر، باسمه، واسم أبيه، واسم مدينته. فيخرج من الصفوف ليراه الجمهور، فيسأل المنادون الجمهور، هل يطعن أحد في نسبه، فإذا لم يتقدم أحد، أذن له بالاشتراك. ثم تبدأ مباريات الصبيان، الذين تقل أعمارهم عن عشرين عاماً، في المسابقات التالية: سباق ستاد واحد (192.27م)، والملاكمة، والمصارعة، واختبار القوة (البانكريش). وتستغرق هذه المسابقات ساعات النهار، وعند الغروب، تحمل الوفود الأبطال على الأكتاف، وتطوف بهم جنبات أولمبيا. ويقضون بقية اليوم، في الغناء، والشعر، والضحك.

اليـوم الثالث:

تخصص الفترة الصباحية لسباق العربات والخيول. وكان سباق الخيل والعربات يقام في "آل هيبودروم" وهي كلمة لاتينية ، تعني مضمار الخيل. وكان مضمار الخيل عبارة عن ميدان مفتوح منبسط، وواسع، ويوجد به عمودان، الأول للبداية والآخر خاص بمكان الاستدارة.وكانت سباقات العربات التي تقام حسب تسلسلها التاريخي هي: في عام 680 ق.م، كان سباق العربات بأربعة خيول ، وفي عام 500 ق.م، كان سباق العربات التي يجرها بغلان، وفي عام 408 ق.م، كان سباق العربات التي يجرها حصانان، وفي عام 268 ق.م، كان سباق العربات التي يجرها مهران.وتتكون العربة من صندوق خشبي مفتوح من الخلف ومكشوف من أعلى، وتتسع لشخصين واقفين. وفي حالة العربة، التي تجرها أربعة خيول، تكون الخيل القوية والسريعة على اليمين؛ لكي تستدير بسرعة، حول العمود، ويتولى قيادتها فارس واحد. وعند فوز العربة، تقدم الجائزة، لمالكها. وكل فارس يحاول أن يكون بقرب المحور الأوسط للميدان، وقرب العمود الخاص بالاستدارة ليُقَصِّر مسافة السِّباق. ولكن يجب عليه أن يتحكم في تنظيم السرعة لكي لا تنقلب العربة.

أما سباق الخيل، فله أهمية خاصة، لدى الملوك، والنبلاء، والأثرياء، لان الفوز به، يعتبر عن مظاهر العظمة والقوة والمكانة، وكان السباق دورة واحدة حول الميدان.

وفي عصر اليوم الثالث تجرى مسابقة البنتاثلون، وتتكون من خمس مسابقات فرعية، هي: الوثب الطويل، والعدو، ورمي الرمح، ورمي القرص، والمصارعة. وكان لمسابقة البنتاثلون أهمية خاصة، لأن المتبارين، يتمتعون بمزايا بدنية ونفسية يحتاجها الرياضي، مثل السرعة، والقوة، والمهارة، والاحتمال، والمثابرة، والشجاعة، ومرونة الحركة، والقدرة على التكيف، والتحول من مباراة إلى أخرى. وكانت مسابقتا المصارعة والملاكمة، مستقلتين عن مسابقة البيتاثلون. أما مسابقة الوثب الطويل: فقد كان المتبارون يستعينون بالأثقال؛ من أجل إطالة وثباتهم، وكانت حفرة الوثب الطويل بمدى (50قدماً). وتحفر وتملاْ وتعبأ بالرمل الناعم، ويسوى ويمهد عقب كل وثبة استعداداً للوثبة التالية، وتحسب مسافة الوثبة من خط البدء، وتجاوز بعضهم الخمسين قدماً في وثبه. وكان الواثبون يحملون ثقلين من الصلب أو الحجر، زنة الواحد منهما أكثر من كيلو جرام، ويعدو لمسافة قصيرة قبل خط البدء. وتزداد السرعة كلّما قرب من خط البدء؛ وعندما يلمس بقدمه خط البدء يثب وثبة طويلة، رافعاً يديه بالثقلين إلى الخلف، وعند ارتفاعه في الهواء يدفع يديه بقوة إلى الأمام فيضيف قوة إلى انطلاقه، وعندما يصل إلى ذروة ارتفاعه يضم قدميه إلى فخذيه، ويبدأ بالهبوط إلى الأمام؛ وقبل وصوله إلى الأرض يدفع يديه مرة أخرى إلى الأمام، رامياً الثقلين مما يزيد في اندفاعه الأمامي، ثم يدفعهما إلى الخلف وكأنه يقفز من جديد، ويضيف قوة جديدة إلى جسمه ويهبط بوثبة وقدماه متلاصقتان. ولم يعرف هل كان يسمح للواثب بخمس محاولات، يحسب أفضلها، أم يُحسب مجموع المحاولات الخمس؟.

أما رمي القرص، فيبدو أن لا فارق كبير في طريقة رميه في عهد الألعاب الأولمبية القديمة، ورميه في الألعاب الحديثة؛ غير أنّ الرامي يُعطى ثلاث محاولات يحسب أفضلها في الألعاب الحديثة، بينما في الألعاب القديمة تحسب المحاولات الخمس. وكان القرص في بداية عهده من الحجر، ثم صنع من الصلب، ثم أصبح يصنع من البرونز، وكان قطر القرص بين 17 و32 سم، ويتراوح الوزن بين 1.3 إلى 6 كيلو جرامات. ومسابقة رمي الرمح تحتل أهمية خاصة لأن الرمح سلاح أساسي كان يستخدمه الإغريق في الحروب للدفاع عن النفس ويستخدمونها للصيد كذلك. ويصنع الرمح من قضيب خشبي، ويُبرى رأسه، وطول الرمح طول الرجل العادي، وهو أخف من رمح القتال، وكان له مقبض مربوط به خيط من الجلد القوي على شكل حلقة يدخل بها الرامي إصبعين من يده التي يرمي بها، وتعطيه الحلقة قدرة على دفعه دفعةً قويةً إلى الأمام والأعلى، ويمنح الرامي خمس محاولات تحسب أفضلها. وتستمر المسابقات المختلفة لمجموعة البنتاثلون حتى تجرى المسابقة النهائية في المصارعة، والتي يقرر نتيجتها بطل البنتاثلون.

الـيوم الرابع

أهم أيام الدورة الأولمبية ، لأنه يتوافق مع القمر الكامل. فبعد إجراء الطقوس الدينية، وتقديم القرابين،يتم ذبح مائة ثور يقدمها أهل "إليس"، كل دورة للإله "زيوس". وبعد الظهيرة تجرى المسابقات التالية : العدو لمسافات متنوعة، والمصارعة ، والملاكمة ، واختبار القوة (البانكريش )، وسباق الدروع. وقد اشتملت، مسابقات العدو على سباق الاستاديوم (27ر192م )، وكانت قواعد هذه المسابقة، تشمل وجود مكان البدء، الذي كان في أوائل الألعاب الأولمبية، عبارة عن خط مستقيم، يحفر بعمق بوصتين أو ثلاث تقريباً. ثم تطور خط البدء، حيثُ وضعت قطعة رخام لكل متسابق، وكان اللاعب، يقف عند ذلك الخط وقدمه الخلفية، على قطعة الرخام، وقدمه الأمامية متقدمة قليلاً، دون تجاوز خط البدء. ويرتدي المتسابق ما يشبه الخف، لوقاية أقدامه من الحصى أثناء العدو، ولكن البطل "أورسبوس"، كان حافي القدمين، عندما فاز بسباق الأولمبياد الخامس عشر عام 720 ق م، فأصبح تقليداً مستمراً بعد ذلك. أما سباق "استاديوم" الثاني يبلغ طوله 355 أو 385 متراً، حسب طول المضمار، وقرار الحكام، وكان السباق الثالث 2000 متر تقريباً، وكان خط البدء، في هذين السباقين، هو خط النهاية أيضاً، حيث يعود المتسابقون إليه بعد الدوران، حول وتد خشبي عال. وكان إذا تطلب السباق أكثر من "استاد" ، يخصص لكل متسابق حارتان، واحدة للذهاب والأخرى للإياب، بعد الدوران حول الوتد الخشبي العالي، أما مسابقة المصارعة، فقد كانت مستقلة ضمن مسابقات الألعاب، مثلما كانت واحدة من سباقات "البنتاثلون" Pentathlon، (المسابقة الخماسية، ويجب أن تتوفر في المتسابق، القدرة على أداء أكثر من لعبة). واختلف المؤرخون على حقيقة أسلوب مسابقة المصارعة، فمنهم من قال: إنها كانت تجرى حيث يعتبر الفائز من يجبر خصمه على الاستسلام، ومنهم من قال: من يرمي الخصم، على الأرض ثلاث مرات، أو تلامس ركبتاه الأرض ثلاث مرات. أما في حالة سقوط الخصم، فيجب على الفائز، أن يظل واقفاً على قدميه، أو يلقي بنفسه فوق الخصم، دون أن يمس جسمه الأرض. أما إذا سقط المتصارعان معاً على الأرض، فإنهما وبقرار من الحكم ينهضان، ويتابعان المصارعة، حتى يفوز أحدهما. ومن قواعد المصارعة، عدم الضرب بقبضة اليد، أو الصفع، أو العض، أو إصابة الأعضاء التناسلية. أما الملاكمة، فقد كانت تجرى في حلقات مخططة على الأرض، في الساحات الرئيسية. ويضع الملاكمون على أيديهم، أربطة من جلد الثيران، محشوة بمادة طرية لينة تساعدهم على شدة قبضاتهم، وتمنع إصاباتهم. ولم تكن هناك جولات، أو فترات استراحة، بل تستمر أو تتواصل، حتى يستسلم أحد الملاكمين، أو يقع على الأرض، مغشياً عليه، ولا توجد حدود للأوزان، أو شروط لمساواتها، وكان الملاكم الأضخم، والأثقل، أكثر حظاً في الفوز. وكانت وقفة الملاكم مستقيمة، وساقه اليسرى متقدمة، ومثنية قليلاً عند الركبة، واليد اليسرى ممتدة إلى الأمام مدافعة، واليمنى مضمومة إلى الجسد، مستعدة للكم، عندما تسمح الفرصة.

أما مسابقات اختبارات القوة، أو ما يطلق عليها "البانكريشن" Pankration، كانت مزيجاً من المنازلات الحديثة ( الجودو، والملاكمة والمصارعة )، ويسمح فيها بالضرب، والصفع، والركل، والقبض، والعرقلة، والرمي على الأرض، ويمنع فيها العض وضرب الأنف، والأسنان والفك، وكانت قاسية، والمتبارون يتنافسون عراة. وتختم مسابقات اليوم، بسباق الدروع، حيث يتسلق الأبطال عراة، ويرتدون خوذة الرأس فقط، ويحملون الدرع والرمح .

وعلى الرغم من العنف الشديد الذي تميزت بها المسابقات إلا أنه نادرٌ أن ينتج عنها قتل، وكان القانون يحرم قتل الخصم، يعاقب القاتل بحرمانه من الجائزة، وكان جميع اللاعبين يخرجون من المسابقات والوجوه مشوهة، والأسنان مفقودة. وكان شاعر ساخر يقول لأحد الأبطال: "كلابك لن تتعرف عليك، وإذا نظرت إلى المرآة، فستقول لا ليس هذا "ستراتوفون".

الـيوم الخامس

يخصص هذا اليوم الأخير، للمواكب وتقديم القرابين، للإله "زيوس" كبير آلهة الأولمب. ويتقدم المواكب الأبطال الفائزون، وعلى رؤوسهم، أكاليل أغصان الزيتون، ويتقدم كل فائز، منادٍ، يعلن اسمه، واسم مدينته. وتجدر الإشارة هنا إلى أن سباق الاستاديوم (192.27م)، ظل محتفظاً بمكانته، بين سائر الألعاب، وتسمي الدورة باسم بطله.

عاشراً: الشعلة الأولمبية

كانت الشعلة الأولمبية، ضمن الطقوس الدينية القديمة، رمزاً للبعث والقوة الحيوية المحركة للكون. وكان البطل الأولمبي الأول، الفائز في سباق "الاستاديوم" (192.27متراً)، يحظى بشرف التكليف، بنقل النور الإلهي (الشعلة الأولمبية)، من معبد الإله "زيوس" رب الأرباب، إلى.أرجاء البلاد، بأقصى سرعة، لذا يكلَّف بها الفائز بسباق العدو.

ويقول الفيلسوف اليوناني "فيلو ستراتوس": "كان الرياضي الفائز، في سباق العدو(192.27متراً)، يعدو بعد انتهاء السباق مباشرةً، إلى الهيكل، ليتسلم النار المقدسة، من الكاهن الذي ينتظره بالشعلة، أمام المذبح، وكان الفائز الأولمبي، يطوف بها أرجاء البلاد، ظافراً بهذا الشرف العظيم، الذي يقربه من الآلهة". وتظل الشعلة في المعبد الأولمبي طوال فترة انعقاد الدورة.

حادي عشر: الجوائـز

كانت جائزة الفوز، في الدورات الست الأولى "تفاحة واحدة"، ومنذ عام 752ق.م أي مع بداية الدورة السابعة، وبناءً على اقتراح، قدم من كهنة، معبد دلفي، مقر الإله "أبوللون"، أصبحت الجائزة، عبارة عن غصن من شجرة الزيتون، ويعرف باسم "كوتينوس" Kotinos، ويجهز على هيئة تاج، يوضع فوق رأس الفائز، وكان يشترط أن يكون غصن الزيتون، مأخوذاً من شجرة الزيتون القديمة، التي أينعت خارج الزاوية الجنوبية الغربية للحجرة الخلفية، لمعبد الإله "زيوس"، في أولمبيا ـ وقصة شجرة الزيتون كما ترويها إحدى الأساطير هي: "لقد أفاق سكان تلك المدينة "العاصمة اليونانية"، على شجرة زيتون، وبجوارها نبع عذب. ولما ذهبوا إلى كهنة معبد دلفي أصحاب الفتوى، يسألونهم عن تفسير ذلك، قالوا لهم: إن الوقت قد حان لإطلاق اسم على مدينتهم، فشجرة الزيتون هي "أثينا" ابنة الإله "زيوس"، التي ولدت كما تقول الأساطير من رأس "زيوس" مباشرة، عندما شعر بصداع في رأسه فضربه ابنه بفأس على رأسه فخرجت "أثينا"؛ لذا تميزت بالحكمة. والنبع العذب هو "يوسيدون" شقيقها، وعليهم أن يختاروا أحدهم، فاختاروا "أثينا" اسماً لعاصمتهم اليونانية"ـ ويقوم بقطع هذا الغصن بواسطة منشار مصنوع من الذهب، صبي من أسرة نبيلة وأبواه، مازالا على قيد الحياة. لقد كانت جوائزهم بسيطة، وكان الفائز يتسلم جائزته أمام جماهير ممثلة لكل بلاد الإغريق، وفي محراب رب الأرباب، وبحضور رجالات الدولة.

وعندما يعود البطل الأولمبي إلى مدينته، يستقبل من قبل أهل المدينة استقبال الفاتحين، لأنه رفع اسمها بين المدن، ويدخل البطل الأولمبي مدينته، وعليه عباءة أرجوانية، ويركب عربة تجرها أربعة جياد بيضاء، محاطاً بجموع أهل مدينته، وهم ينشدون أهازيج النصر له، التي نظمها كبار الشعراء خصيصاً للبطل. ثم يتوجهون إلى المعبد الرسمي، حيث يخلع البطل الإكليل من فوق رأسه، ويقدمه قرباناً للإله، وبعد ذلك يذهب البطل، لتسلم الجوائز من أهل مدينته، بالإضافة إلى المزايا الشرفية.

وكان البطل الأولمبي، يكَّرم بإقامة تمثال له عند مدخل مدينته، وإذا وقع في الأسر، يتم فك أسره في الحال، ومن معه إكراماً له.

وكانت كل أسرة تفخر بأبطالها، ويحكي لنا "شيشرون" في كتابه "مجادلات تسكولية" أن: "رياضياً من جزيرة "رودس" يدعى "دياجوراس" Diagoras، اشتهر بفوزه في مباريات الملاكمة، وتغنى شاعر الدورات الأولمبية "بندار"، بإحدى انتصاراته، في الدورة الأولمبية السابعة. وعندما فاز ولداه في الملاكمة في أولمبيا، دخل عليه رجل، من "لاكونيا" وبعد أن هنأه على فوز ولديه، قال له " تستطيع أن تموت الآن يا "دياجوراس" لأنك لن تعرف مرة أخرى بهجة ربانية، مثل هذه البهجة. هكذا كان الإغريق يقدرون الرياضة وأهلها.

وكانوا كذلك يقدرون أيضاً الفن والأدب، لقد صنعوا لشاعر الدورات الأولمبية "بندار" ( 518ـ438ق.م)، تمثالاً وهو على قيد الحياة، لكونه شاعر الدورات الأولمبية الرسمي. ويُعد بندار أعظم الشعراء الغنائيين عند الإغريق، ونظم العديد من أهازيج النصر، للأبطال الأولمبيين، وكان مدحه للأبطال يتصف بالمبالغة الشديدة.. قيل إن أصدقاء البطل "بتياس" طلبوا منه نظم قصيدة فطلب منهم مالاً كثيراً، فاستعظموا المبلغ، وقالوا: إننا يمكننا أن نقيم له تمثالاً من النحاس، بأقل من هذا المبلغ، ولكن بعدما تشاور الأصدقاء، وجدوا أن القصيدة أفضل من التمثال. فدفعوا له المبلغ المطلوب فنظم لهم قصيدة مطلعها: لست بصانع تماثيل لا تشاهد إلا حيث تنصب.. ولكن ،أنظم أشعار تطير في الآفاق.. ويطير معها صيت بيتاس المكلل بأكاليل الظفر. ومن أهم قصائد "بندار" قصيدة الأولمبياد الثالث عشر المقدمة إلى بطل الاستاديوم "إكزنوفون "دوكورنث".

ويروي "باوسانياس" (مؤرخ عاش في القرن الثاني الميلادي) إنه شاهد تمثالاً للفيلسوف السوفسطائي "جورجياس" Gorgias، في أولمبيا أقيم تكريماً له على بلاغته، ومقدرته على الجدل. ولإمتاعه الناس. وكان أرسطو يعقد حلقات دراسية في أثناء إقامة المهرجان الأولمبي، كما اشترك أرسطو في تنقيح وتصحيح قائمة الفائزين في الألعاب الأولمبية، التي وضعها "هيبياس"، قبل مائة عام من عهد أرسطو، الذي توفي عام 322ق.م. وتُعد قائمة أرسطو أدق قائمة للفائزين الأولمبيين.

وكانت التجمعات في القرية الأولمبية لأيام طويلة، تؤدي إلى التآلف والمصاهرات بين الإغريق، وطي خلافاتهم وحروبهم، وإن اقتصر ذلك على أيام الهدنة أحياناً. وتعتبر المهرجانات الأولمبية، تجسيماً حياً للوحدة القومية، ومن لوازم الاحتفالات خطبة لفيلسوف الوحدة اليونانية "إيسو قراط" بمناسبة المهرجان الأولمبي المئوي، يوضح فيها أهمية، المهرجانات لقضية الوحدة، يقول فيها: "ينبغي علينا أن نثني، على هؤلاء الذين أوجدوا لنا "أعياد الثناء" Panegyric، وخلَّفوا لنا هذا التراث، فبفضلهم أصبحنا نلتقي في مكان واحد، بعد إعلان "الهدنة"، والتوقف عن القتال، فنتلو الصلوات ونقدم للآلهة القرابين، ونحس في نفوسنا إحساساً واحداً؛ بأننا من أصل واحد. عندها يحسن كل منا معاملة الآخر، من أجل المستقبل، ونعيد ممارسة، علاقاتنا المضيافة القديمة، بل ونِكَوّن علاقات جديدة. وليست هذه اللقاءات مضيعة للوقت؛ لا لجماهير النظارة ولا للشخص الرياضي، لأن هذا الأخير كان يستعرض أمام الإغريق المجتمعين مواهبه الطبيعية. أما الجمهور، فإنه كان يجد لذة وسروراً، في مشاهدة هذه الألعاب، وليس هناك ما يجعل أحدهما يضيق بالآخر ذرعاً؛ لأن كل فريق يجد ما يُرضي كبرياءه. وذلك عندما يدرك المشاهدون أن الرياضيين يبذلون، أقصى طاقاتهم لإدخال السرور عليهم. ويدرك الرياضيون، أن كل هذه الجموع، قد جاءت لتعبر عن إعجابها بهم".

بواسطة : essaher
 0  0  449
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 08:52 مساءً الخميس 9 مايو 2024.