• ×

09:42 مساءً , الثلاثاء 14 مايو 2024

النازلة الخامسة: استعمال المنظفات المعطرة للمحرم .

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

النازلة الخامسة: استعمال المنظفات المعطرة للمحرم .
أنواع الصابون الموجود في السوق والشامبوهات ونحوها أكثرها يكون معطراً حتى أنه يكتب عليه صابون معطر معطر بالورد معطر بالياسمين إلى أخره . فما الحكم بالنسبة للمحرم هل يجوز له أن يستعمل هذه المنظفات في رأسه أو في يديه أو في جسمه أو نحو ذلك حال إحرامه ؟ وقبل أن نتحدث عن حكم استعمال هذه المنظفات نريد أن نقدم لذلك بأمور.
أولها:أن المحرم ممنوع من استعمال الطيب وقد وردت في ذلك أحاديث عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ فمن ذلك حديث ابن عمر في الصحيحين الذي مر معنا وفيه أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال ولا ثوب مسه ورس أو زعفران .ـ والزعفران نوع من أنواع الطيب يوضع مع الطيب والخلوق ونحو ذلك . ومن ذلك حديث يعلى بن أمية في الصحيحين الذي مر معنا قبل قليل أيضا وفيه أن ذلك الأعرابي قال يا رسول الله ما تقول في رجلا أحرم في جبه وتضمخ بطيب فقال النبي _صلى الله عليه وسلم أما الطيب فأغسله ثلاثا. ومن الأحاديث الدالة على أن المحرم ممنوع من الطيب حديث ابن عباس في الصحيحين في قصة الرجل الذي وقصته راحلته وهو واقف بعرفات فإن النبي _صلى الله عليه وسلم قال اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا . فقوله ولا تحنطوه يعني لا تضعوا فيه الحنوط . والحنوط هو أخلاط من الطيب توضع على أجزاء الميت ومنافذه ونحو ذلك. فأمر النبي _صلى الله عليه وسلم _ أن يجنب الحنوط وعلل ذلك _صلى الله عليه وسلم_ بأنه يبعث يوم القيامة ملبيا فمن خلال هذه الأحاديث قال أهل العلم أن المحرم ممنوع من الطيب. وهذا كله بعد الإحرام أما قبل الإحرام فإن من السنة كما هو معروف أن يتطيب الإنسان في بدنه لا في ثوبه فإن عائشة _رضي الله عنها _ تقول كنت أطيب رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت وكانت تقول _رضي الله عنها_كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ . متفق عليه
يعني المسك الذي يذر ترى لمعانه على مفارق النبي _ صلى الله عليه وسلم _ وعلى شعر رأسه فقبل الإحرام يسن أن يتطيب الإنسان في بدنه حتى لو بقي الطيب إلى ما بعد الإحرام لكن الممنوع هو أن يتطيب الإنسان بعد الإحرام بطيب سواء في بدنه أو في ثوبه لمجموع هذه الأحاديث. الأمر الثاني الذي ينبغي أن نشير إليه قبل أن نصل إلى مسألتنا هو . هل المحرم ممنوع حال إحرامه من كل رائحة طيبة ؟ أو أنه ممنوع من الطيب الذي يتخذه الناس طيبا ؟ الأصل أن المحرم يباح له كل شيء ولا يمنع إلا بما وردت الأدلة بمنعه منهُ هذا هو الأصل . فالأدلة وردت بمنع المحرم من أشياء معينه من الطيب فالنبي _صلى الله عليه وسلم _ نهى عن ثوب مسه الزعفران وقال لمن تضمخ بطيب اغسله ثلاثاً وقال في الميت المحرم ولا تُحنطوه وهذه كلها مما يتخذها الناس طيباً وعطراً فنتوقف عند النصوص ولا نتجاوزها نقول إن المحرم ممنوع من الطيب الذي يتخذه الناس طيباً. وليس ممنوعا من كل رائحة طيبة لا يتخذها الناس طيباً. فا انتم تعرفون مثلاً أن النعناع رائحته طيبه والريحان رائحته طيبة والفواكه رائحتها طبية والأترج رائحته طيبه أشياء كثيرة جداً لها راحة طيبة من المأكولات والمشروبات وغيرها لها روائح طيبة فالمحرم ليس ممنوعا من كل رائحة طيبة إنما هو ممنوع بموجب هذه الأحاديث من الطيب الذي يتخذه الناس طيباً . إذاً الآن عرفنا أن المحرم ممنوع من الطيب وليس ممنوعا من الروائح الطيبة التي لا تعد طيباً ولا يتخذها الناس طيبا.
الأمر الثالث الذي نريد أن نتحدث عنه قبل أن نصل إلى المسألة التي نحن بصددها هو.
الحكمة من تحريم الطيب على المحرم ؟ ما هي الحكمة التي من أجلها حرم الشارع الطيب على المحرم ؟ الحكمة والله سبحانه وتعالى أعلم كما ذكر ذلك جمع من أهل العلم هي أن الطيب من دواعي النكاح والمحرم ممنوع من النكاح ودواعيه. فإن الله سبحانه وتعالى يقول {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ }. قال أهل العلم الرفث هو النكاح ومقدماته . كل ما يدعوا إلى النكاح فإنه من الرفث لو جلس اثنان يتكلمان في حال الإحرام في أمر النساء قلنا قد رفثتما . الحديث في شأن النساء رفث لو أن إنسان مس زوجته حال الإحرام بشهوة قلنا هذا من الرفث. لو قبلها قلنا هذا من الرفث فا الطيب من دواعي النكاح ولهذا نقول إنه من الرفث ومما يدل على أن هذه هي الحكمة و الله سبحانه وتعالى أعلم أن المرأة تمنع من المرور على الرجال إذا تطيبت كقول النبي _ صلى الله عليه وسلم _" أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ " رواه مسلم فالمرأة إذا تطيبت منعت من المرور أو القرب من الرجال لأن هذا مما يدعو أو يفتن الرجال بها . فالطيب في حال الإحرام هو مما يدعو للنكاح ويذكر به ويهيج الشهوة ويجعل الإنسان أقرب إلى طلب المتعة واللذة والحياة الدنيا والإنسان في حال الحج مأمور بالانقطاع عن كل ما يدعوه إلى الدنيا وبالإقبال على الله سبحانه وتعالى ومن المعروف أن من أعظم دواعي الدنيا وشهواتها النساء ومن أجل ذلك فإن الجماع هو أعظم محظورات الإحرام ولا يبطل الحج و العمرة محظور من المحظورات إلا الجماع . لان الجماع يخالف تماماً حال العبودية التي ينبغي أن يكون عليها الحاج في أثناء التلبس بالنسك كما أن الإنسان في حال الصلاة إذا ضحك قلنا بطلت صلاته . لماذا ؟ لأن الضحك ينافي ماينبغي أن يكون عليه المصلي تماما . فالمصلي مأمور بأن يكون خاشعاً مقبلاً على الله عز وجل متصلاً به فإذا ضحك قلنا إن هذا أبعد ما يكون عن هذه الحالة فحينئذ تبطل صلاته فالجماع في حال الحج هو من أعظم الشهوات التي تجعل الحاج أبعد ما يكون عن حال المتلبس بالنسك ومن أجل ذلك حرم الجماع وحرمت دواعيه ومن دواعيه الطيب.
بعد ذلك نرجع إلى حكم هذه المسألة وهي حكم استعمال المنظفات المعطرة ؟ فنقول المنظفات المعطرة تنقسم إلى قسمين :القسم الأول : منظفات معطرة بروائح طيبه ولكن هذه الروائح ليست مما يتخذه الناس طيباً مثل الصابون بنكهة الليمون أو التفاح أو السفرجل أو النعناع مثلاً هذه كلها روائح طيبة لكن هل الإنسان يذهب إلى دكان العُطُور ويقول أُريد عطراً برائحة التفاح أو طيبا برائحة الليمون هذا ليس مما يتخذه الناس طيباً فالمنظفات التي تكون رائحتها من الروائح الطيبة الزكية ولكنها ليست مما يتخذ طيباً. ـ كما قلت لكم في الفواكه والنعناع والليمون ونحو ذلك أو حتى بعض الروائح المصنعة المهم أنها ليست مما يتخذه الناس طيباً .فهذه لابأس باستعمالها فقد قلنا قبل قليل أن المحرم ليس ممنوعا من الروائح الطيبة التي لا تعد من العُطُورات ولا من الطيب إنما هو ممنوع فقط عن الطيب والعطور التي وردت في السنة أو ما في حكمها أما الروائح الطيبة التي لا تسمى طيباً فإنه غير ممنوع منها وبتالي فإننا نقول لا بأس باستعمال الشامبو أو الصابون المعطر بالليمون أو التفاح أو بالفواكه أو بالرائحة الأصلية مثلاً أو ببعض الروائح المركبة المهم أنها ليست من العطورات نقول هذا لابأس به .
القسم الثاني : الصابون أو المنظفات المعطرة بروائح عطريه مما يتخذه الناس طيباً وعطرا . هناك صابون برائحة الورد و عند محل العطورات دهن الورد هذا من أغلى العطورات .إذن معنى هذا أن هذا الصابون قد عطر بما يتخذه الناس طيباً أو تجد صابونا معطرا برائحة العود أو برائحة الياسمين أو برائحة المسك هذه كلها عطورات يذهب الإنسان إلى محل العطورات ويقول له أعطني عوداً أعطني بخوراً أعطني مسكًا أعطني عنبرا أعطني وردا هذه كلها عطورات فالمنظفات التي عطرت بهذا النوع من الروائح الطيبة إذا قلنا إن المحرم ممنوع من الطيب وإن الطيب حرم على المحرم لأنه من دواعي النكاح . فأي فرق بين أن الإنسان يأخذ شيئا من دهن الورد ويضعه في إزاره أو في لحيته وبين أن يأخذ صابونا أو منظفا من المنظفات برائحة الورد فيغسل يديه ثم يظل هذا الورد يعبق من يديه لمدة ساعة أو ساعتين أو أكثر. هل الأنف يفرق بين الطيب الذي اشتري من بائع المسك وبين الطيب الذي جاء عن طريق المنظف أو الصابون . إن القول بأن هذه المنظفات أنها ليست مما يتخذ طيباً وبتالي يجوز اتخاذها لا شك أن هذه والعلم عند الله ظاهرية بعيدة فإن الحكمة التي من اجلها منع الطيب موجودة فيما أخذته من الطيب فوضعته في لحيتك أو في إزارك أو في هذا الصابون أو المنظف أو الشامبو الذي تضعه في شعرك أو في بدنك فيضل جسمك ينتعش ويعبق وكل ما مررت من عند أُناس شمُوا رائحة الطيب أنت أحيانا يمر بك إنسان فتشم منه رائحة الطيب ما تدري هذا الإنسان هل تطيب بالمسك أو بالعنبر أو بالورد أو بالعود أو أنه استعمل صابونا أو منظفا أو شامبوا معطراً _ احد منكم يفرق ؟. مايفرق , إذن هل نقول أن الطيب يحرم على المحرم والمنظفات هذه تجوز للمحرم ؟ لان الإنسان ما يذهب إلى محل العطورات ويقول أعطني صابونا . نقول لا ليس بشرط أن يكون الإنسان يتعطر بالصابون لكن ما في الصابون هذا يتخذه الناس عطراً . ولا شك أن هذا يحصل فيه ما يحصل في الطيب من النشوة والرغبة في النكاح وتذكر الحياة الزوجية والمرأة ونحو ذلك . والمحرم ممنوع من ذلك ولهذا أقول والعلم عند الله سبحانه وتعالى إن المحرم ممنوع من هذه المنظفات بهذه الروائح وهذا القول هو الذي رجحه الشيخ محمد بن صالح العثيمين _ رحمه الله تعالى _ وأنا انقل لكم الآن نص كلام الشيخ رحمة الله تعالى عليه فإنه قال في إحدى خطبه :" فلا يجوز للمحرم أن يدّهن بالطيب ويتبخر به ويضعه في أكله أو شرابه أو يتنظف بصابون فيه طيب يعد للتطيب" إذن هو يقول إذا كان الطيب الذي في الصابون يعد بمفرده للتطيب فإنه ممنوع منه فهذا القول هو الذي اختاره الشيخ محمد .وهو الذي أراه راجحا والعلم عند الله سبحانه وتعالى .
هذا هو المجلس الثالث من هذه المجالس التي تنعقد لبيان أحكام بعض النوازل المعاصرة في الحج.

بواسطة : essaher
 0  0  375
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 09:42 مساءً الثلاثاء 14 مايو 2024.