• ×

02:03 مساءً , الثلاثاء 14 مايو 2024

النازلة الثامنة : الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس لمن وقف نهارا.

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
النازلة الثامنة : الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس لمن وقف نهارا.
قبل أن نبحث حكم هذه النازلة أحب أن أُنبه على أمور :
الأمر الأول حكم حج من وقف بعرفة نهاراً فقط ؟ لو أن إنسانا وقف بعرفة بعد الظهر أو بعد العصر ثم انصرف إلى مزدلفة ولم يبق إلى غروب الشمس ولم يرجع في الليل فما حكم حجهِ؟ حكم حجه كما يقول الموفق ابن قدامه _رحمه الله تعالى _ أنه صحيح في قول جماعة العلماء ولم يخالف من أهل العلم أحد في صحة الحج إلا الإمام مالك _رحمه الله تعالى_ وقد قال ابن عبد البر وهو مالكي أيضا قال :إنه لم يتابع مالكاً في هذا القول أحد يعني أن مالكا _رحمه الله تعالى_ انفرد بهذا القول ولا شك أن قول الإمام مالك _رحمه الله تعالى _ في هذه المسألة شاذ لأنه قول مخالف لحديث النبي _ صلى الله عليه وسلم_ فإن النبي _صلى الله عليه وسلم_ كما في حديث عروة ابن مضرس عند الخمسة بسند صحيح لما جاء إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ وهو في صلاة الفجر بمزدلفة قال: يا رسول الله قدمت من جبلي طي أتعبت راحلتي وأنهكت بدني وما تركت جبلاً إلا وقفت عليه فهل لي من حج فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_ : من صلى صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وكان قد وقف بعرفه ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفتهُ " فهذا نص صريح من النبي _صلى الله عليه وسلم_في أن من وقف بعرفه ليلاً أو نهاراً فقد تم حجهُ . وإذا فقول الإمام مالك _رحمه الله تعالى _في هذه المسألة قول شاذ _عليه رحمة الله تعالى_ .
الأمر الثاني الذي أُريد أن ابحثه قبل أن نصل إلى مسألتنا هو : حكم حج من وقف بعرفة ليلاً فقط ؟ إنسان لم يصل إلى عرفات إلا بعد العشاء أو في منتصف الليل ثم وقف فيها ساعة ثم انصرف إلى مزدلفة فما حكم حجهِ ؟ حجه صحيح يقول الموفق ابن قدامه _رحمه الله تعالى_: لا أعلم في صحته خلافا . فهذا الحج حج صحيح ولو لم يقف إلا في الليل لحديث عروه بن مضرس _رضي الله تعالى عنه_ الذي مر معنا قبل قليل وفيه قال النبي _صلى الله عليه وسلم _وكان قد وقف بعرفة ليلا أو نهارا.
الأمر الثالث بين يدي نازِلتنا هو : هدي النبي _صلى الله عليه وسلم _ في وقوفه بعرفه . النبي _صلى الله عليه وسلم_ كما في حديث جابر_رضي الله عنه_ في صفة حجة النبي _صلى لله عليه وسلم _ انه لما طلعت الشمس من اليوم التاسع أمر أن تضرب له قبة بنمره ثم ركب من منى حتى أتى نمرة _ ونمرة هذه كانت قرية تقع تقريباً إلى الجهة الشمالية الغربية من عرفات تقريباً قبلة المسجد الآن. مسجد نمرة المعروف وهي خارج عرفة _ فلما وصل إليها نزل _صلى الله عليه وسلم حتى زالت الشمس فلما زالت الشمس ركب راحلته حتى أتى الوادي _ الذي هو بطن عرنة وبطن عرنة أيضا خارج عرفات _ فنزل _صلى الله عليه وسلم _وخطب الناس خطبةً عظيمة وصلى بهم الظهر والعصر جمعاً وقصراً ثم ركب راحلته _صلى الله عليه وسلم _ وأتى الموقف ووقف عند الجبل المعروف بجبل ( إيلال ) أو المعروف الآن بجبل الرحمة ولم يرقه _صلى الله عليه وسلم_ أو يصعدهُ وإنما وقف أسفل الجبل واستقبل القبلة ورفع يديه يتضرع ويدعوا الله سبحانه وتعالى حتى غربت الشمس .فلما سقط قرص الشمس وذهبت الصفرة دفع _صلى الله عليه وسلم _من عرفات إلى مزدلفة هذا هو هدي النبي_صلى الله عليه وسلم_ ولا شك أن هذا هو أكمل الهدي وخير الهدي وأن الإنسان إذا حرص على أن يقتفي آثار محمد _صلى الله عليه وسلم_ أنه على خير عظيم وأن هذه هي أكمل الأحوال . فأكمل الأحول أن يفعل الإنسان كما فعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ بأن يقف نهاراً ويمكث حتى تغرب الشمس ثم بعد ذلك ينصرف إلى مزدلفة ولا ينصرف حتى تغرب الشمس.بعد هذه المقدمات نرجع إلى نازلتنا وهي من وقف نهاراً فما حكم بقائه إلى أن تغرب الشمس بعرفات بحيث أنه لا ينصرف من عرفات حتى تغرب الشمس ؟ أختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : هو قول جماهير أهل العلم كما يقول الموفق ابن قدامه _رحمه الله تعالى _ وغيره فقد قال بهذا القول أبو حنيفة والشافعي في أحدى الروايتين والإمام أحمد وجمع من الأئمة والعلماء قديماً وحديثاً قالوا : من وقف نهاراً يجب عليه أن يبقى بعرفات حتى تغرب عليه الشمس . فإن خرج من عرفات قبل أن تغرب الشمس ولم يرجع إليها فإنهُ آثم لأنه ترك واجبا. وهل يجب عليه دم أو لا يجب ؟ هذا فيه خلاف بين أهل العلم بناء على اختلافهم فيمن ترك واجباً هل عليه دم أم عليه التوبة فقط ؟ إذن قول جماهير أهل العلم أن من وقف بعرفات نهاراً يجب عليه أن يبقى فيها حتى تغرب عليه الشمس .
القول الثاني : هو الرواية الثانية عن الإمام الشافعي وهي المذهب عند الشافعية و أختارها الإمام النووي _رحمه الله تعالى _ وهذا القول هو قول ابن حزم الظاهري قال هؤلاء إن من وقف نهاراً فإن البقاء إلى غروب الشمس سنة في حقه . إن بقي حتى تغرب الشمس فقد أتى هذه السنة واقتدى بالنبي _صلى الله عليه وسلم _ وإن تركها فليس عليه شيء لأنه إنما ترك سنة من السنن . نرجع إلى قول جماهير أهل العلم الذين قالوا إن هذا واجب من واجبات الحج فنذكر أدلتهم واحداً واحدا .
استدل هؤلاء بعدد من الأدلة .
الدليل الأول : أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ وقف بعرفه نهاراً واستمر واقفاً فيها حتى غربت الشمس ولم يدفع حتى غربت الشمس وكان _صلى الله عليه وسلم_يقول في حجه لتأخذُوا عني مناسككم فهذا أمر من النبي _صلى الله عليه وسلم _ بأن يقتدي الناس بهِ في مناسك الحج فنحن مأمورون بالاقتداء بهِ والأمر للوجوب إذاً البقاء حتى تغرب الشمس واجب . لفعله _صلى الله عليه وسلم_ ولأمره بالاقتداء به _صلى الله عليه وسلم_ . هذا هو الدليل الأول ولكن هذا الدليل يمكن مناقشته فإن النبي _صلى الله عليه وسلم _ كان في كل أفعال الحج يقول لتأخذوا ُ عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ومع هذا فإني لا أعلم أحدا من أهل العلم يقول بأن كل ما فعله النبي _صلى الله عليه وسلم_ في حجه أنه واجب مع أن النبي _صلى الله عليه وسلم _ فعله وقال لتأخذُ عني مناسككم .وإذا فمجرد هذا الدليل لا يكفي لإيجاب الوقوف بعرفه حتى تغرب الشمس فالذين قالوا إنه واجب بهذا الدليل لم يقولوا بأن المبيت بمنى ليلة التاسع واجب مع أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ بات فيها وقال لتأخذُوا عني مناسككم . ولم يقولوا بأن الدعاء عند الجمرات واجب مع أن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ دعاء عند الجمرة الأولى والثانية وقال لتأخذُوا عني مناسككم . إذاً مجرد هذا الدليل بمفرده لا ينتج الوجوب بإجماع عمل الأئمة بخلاف هذا الدليل .إذا هذا الدليل لا يستقيم .
الدليل الثاني : من أدلة أصحاب هذا القول : أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ وقف بعرفه نهاراً واستمر بها حتى غربت الشمس وذلك منه _صلى الله عليه وسلم_ مخالفة لهدي المشركين. فإن المشركين _ عدا قريشا _ كانوا في الجاهلية يقفون بعرفات وكان هديهم أنه إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال مثل العمائم على رؤوس الرجال دفعوا من عرفه إلى مزدلفة فأراد النبي _صلى الله عليه وسلم _ أن يخالف هديه هديهم فبقي _صلى الله عليه وسلم_ حتى غربت الشمس ولا شك أن من أعظم مقاصد حج النبي _صلى الله عليه وسلم_ أن يبطل عقائد الجاهلية وما كان عليه أهل الجاهلية في ذلك الزمان ولهذا كان _صلى الله علين وسلم_ يخالف الجاهلية في أفعال كثيرة كما خالفهم _صلى الله عليه وسلم _ في الوقوف بعرفه فإن قريشاً ما كانت تقف بعرفه ويقولون نحنُ الحمس _يعني المتحمسون لدينهم _ فكانوا يقفون بمزدلفة وبقية الكفار يقفون بعرفات فخالفهم النبي _صلى الله عليه وسلم_ وأفاض من حيث أفاض الناس ووقف بعرفه و النبي _صلى الله عليه وسلم _ خالفهم بمزدلفة فإن المشركين في مزدلفة كانوا يقفون فيها حتى تطلع الشمس فإذا طلعت الشمس دفعوا إلى منى وكانوا يقولون "أشرق ثبير كي ما نغير" ثبير جبل مطل على مزدلفة فكانوا إذا رأو الشمس في أعلى الجبل دفعوا من مزدلفة إلى منى فخالفهم النبي _صلى الله عليه وسلم_ ودفع حين اسفر جدا قبل أن تطلع الشمس وخالفهم النبي _صلى الله عليه وسلم_ حينما مر بوادي مُحسر فإن المشركين كانوا إذا أتوا إلى وادي محسر يقفون و يتفاخرون بشجعانهم وكرمائهم وشعرائهم إلى آخر ذلك فأ مر الله سبحانه وتعالى نبيه _صلى الله عليه وسلم_ في الحج وأمر المؤمنين أن يذكروه كذكرهم آباءهم أو أشد ذكرا فلما وصل النبي _صلى الله عليه وسلم_ إلى وادي محسر أسرع مخالفة للمشركين .فالنبي _صلى الله عليه وسلم في بقائه في بعرفات حتى غربت الشمس قصد مخالفة المشركين , ومخالفة المشركين واجبه فعلى من وقف نهاراً أن يبقى حتى تغرب الشمس مخالفةً للمشركين . ولكن حتى هذا الدليل لا ينتج الوجوب في نظري. فقد ذكرت لكم آنفا أن المشركين يبقون بمزدلفة حتى تطلع الشمس ثم يدفعون منها إلى منى فخالفهم النبي _صلى الله عليه وسلم_ ودفع قبل أن تطلع الشمس ولم يقل أحد من أهل العلم أن الدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس واجب بل قالوا يسن للإنسان أن يدفع من مزدلفة قبل طلوع الشمس لكنه ليس بواجب مع أن هذا مخالف لهدي المشركين وأيضا الإسراع في وادي محسر ما أعرف أحدا من أهل العلم قال إن الإسراع في وادي محسر واجب . لكنه سنه من السنن لكنه في حق النبي _صلى الله عليه وسلم_ قد يكون متعيناً من أجل أنه _صلى الله عليه وسلم_ كان من مقاصد حجه أن يهدم ما كان عليه المشركون من عقائد فاسدة لكن بالنسة للأمة من بعده بعد أن انهدمت عقائد المشركين فإن هذا الأمر لا يصل إلى درجة الوجوب وإذاً الاستدلال بهذا الدليل في نظري أنه لا ينتج الوجوب .
الدليل الثالث : من أدلة الجمهور على أن من وقف نهاراً يجب عليه أن يبقى في عرفات حتى تغرب الشمس :أنه قد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس عنهُ _صلى الله عليه وسلم_ .فالنبي صلى الله عليه وسلم حين وقف بعرفات أيهما أيسر على المسلمين أن يدفع من عرفات قبل غروب الشمس حتى يصلوا إلى مزدلفة بنهار ووقت إسفار . أم أن يبقى في عرفات حتى تغرب الشمس ثم يدفعون بليل إلى أن يصلوا مزدلفة ؟ وأنتم تعرفون في ذلك الوقت كان الناس ينتقلون على الإبل وعلى الحمر وعلى أرجُلهم والمسافة بين عرفات ومزدلفة تحتاج إلى وقت فقد يمضي عامة الليل قبل أن يصل الإنسان إلى مزدلفة بل إن الناس في ذلك الزمن كان الواحد منهم ربما خرج من عرفات ولم يصل إلى مزدلفة ويتيه عنها ولهذا كان الخلافاء وأُمراء الحج يوقدون نارً في المشعر الحرام في مكان مرتفع يسمى (المِيقدة) من أجل ألا يضل الحجاج يميناً أو شِمالا. إذاً أيهما أيسر على المسلمين الذين حجّوا مع محمد _صلى الله عليه وسلم_ أن يدفع رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ من عرفات إلى مزدلفة نهاراً أو ليلاً ؟ لا شك أن الأيسر لهم في نظرنا هو أن يدفع نهاراً حتى يصلوا إلى مزدلفة في وقت إسفار. قالوا فلما ترك النبي _صلى الله عليه وسلم_ الأمر الأيسر وأخذ بالأمر الأشق دل على أن الأمر الأيسر لا يجوز لأن النبي _صلى الله عليه وسلم_ ما خير بين أمرين إلا أختار أيسرهما ما لم يكن إثما.
وفي نظري أيضا أن هذا الدليل لا يستقيم ولا ينتج الوجوب فإن ثمة أكثر من احتمال لعلها هي التي حملت النبي _صلى الله عليه وسلم _ على اختيار الأخر بل قد يكون بقاء النبي _صلى الله عليه وسلم_ إلى أن غربت الشمس هو الأرفق بالمسلمين. كيف يكون هذا ؟ نقول قد يكون النبي _صلى الله عليه وسلم_ ما ترك الأيسر وهو الدفع نهاراً إلى الأشق وهو الدفع ليلاً إلا ليهدم عقيدة من عقائد المشركين وأنتم تعرفون أن من أعظم مقاصد حجة النبي _صلى الله عليه وسلم_ هدم عقائد المشركين وإذا لم يهدمها النبي _صلى الله عليه وسلم_ فمن يهدمها إذاً كان من المقاصد العظيمة للنبي _صلى الله عليه وسلم_في ذلك الوقت أن يهدم هذه العقيدة فبقي لأنه لو لم يفعل ذلك ما انهدمت فهذا يحتمل أنه هو الذي جعل النبي _صلى الله عليه وسلم_يختار هذا الأمر على الأيسر . أيضا هناك احتمال آخر هو أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ إنما بقي حتى غربت الشمس ليعلم الناس أن الوقوف بعرفه يصح ليلاً ويستمر حتى الليل .خاصة إذا علمنا أن الليلة في الإسلام تتبع اليوم الذي بعدها وإذاً الأصل أن يوم عرفه ينتهي بغروب الشمس . الأصل في الإسلام أن اليوم ينتهي بغروب الشمس فإذا غربت الشمس دخل يوم جديد فمعنى ذلك أن الوقوف في الليل يحتاج إلى دليل من النبي _صلى الله عليه وسلم _ حتى يعرف الناس أن ليلة العيد تابعة ليوم عرفه وليست تابعة ليوم العيد. إذاً هذه مصلحه و إذً كون النبي _صلى الله عليه وسلم _ يخبر الأمة ويشرع لهم أن هذه الليلة وإن كانت في الأصل تابعة لليوم الذي بعدها إلا أنها في هذا اليوم تابعة لليوم الذي قبلها هذا أرفق بالأمة لأن وقت الوقوف سيطول وإذاً هناك أكثر من احتمال كلها تدل على أن النبي _صلى الله عليه وسلم _ما ترك الأيسر على أُمتهِ إلا لمصالح عظيمة هي أعظم من الرفق بهم في هذا الجانب وإذا فهذا الاستدلال في نظري لا يستقيم للقول بوجوب البقاء حتى تغرب الشمس .
ننتقل بعد ذلك إلى :
القول الثاني في هذه المسألة وهو: قول الشافعية في اصح القولين عندهم وهو اختيار الإمام النووي وابن حزم الظاهري أن من وقف نهاراً فالبقاء إلى الليل سنة في حقه . فإن تركه فليس عليه شيء والشافعية يقولون إن تركه فإنه يسن له أن يذبح شاة يسن له ويستحب استحبابا لكنه لا يجب عليه لأنه إنما ترك سنةً وهؤلاء يستدلون بما رواه الخمسة بسند صحيح عن عروه بن مضرس الطائي _رضي الله عنه _قال جئت إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ وهو في صلاة الفجر بمزدلفة فقلت يا رسول الله أتعبت راحلتي وأجهدت بدني وما تركت جبلاً _وفي بعض الروايات حبلاً _ إلا وقفت عليه هل لي من حج ؟ فقال النبي _صلى الله عليه وسلم _ "من صلى صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وكان قد وقف بعرفه ليلاً أو نهاراً فقد تم حجهُ وقضى تفثه " قال أصحاب هذا القول يا من تقولون إن الوقوف واجب وان من تركه عليه دم هذا الدم من أجل ماذا؟ هذا الدم دم جبران لما حصل في النسك من النقص لأن هذا الحاج قد ترك واجباً فيجبر هذا النقص الذي حصل في حجه بترك هذا الواجب يجبره بالدم . الجبران يكون للنقص أليس كذلك ؟ طيب النبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول فقد تم حجهُ كيف تقولون إنه ناقص ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فقد تم حجه. وهل الحج التام يحتاج إلى جبران ؟ لا يحتاج إلى جبران .
ثم إنه قد ورد في بعض روايات حديث عروة بن مضرس الطائي _رضي الله تعالى عنه_ أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال من صلى صلاتنا هذه ووقفا معنا حتى ندفع وكان قد أفاض من عرفات ليلاً أو نهاراً فقد تم حجهُ وقضى تفثهُ. فإذا كانت هذه الرواية وهي عند النسائي والإمام أحمد محفوظة فإن النبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول : كان قد أفاض من عرفات ليلاً أو نهاراً. يعني وقف ثم دفع ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثهُ وليس بعد التمام نقص وليس مع التمام نقص. وهذا الدليل لا أعرف أن جمهور أهل العلم أجابوا عنه بإجابة تبطل الاستدلال به. ولهذا الذي يظهر لي والعلم عند الله سبحانه وتعالى هو القول الثاني في هذه المسألة وأن من وقف بعرفة نهاراً يسن له أن يبقى فيها حتى تغرب الشمس. ولكن لو دفع منها قبل غروب الشمس فهو إنما ترك سنة من السنن وليس عليه شيء وحجه تام بنص حديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ الذي مر معنا في حديث عروة بن مضرس الطائي _رضي الله عنه_ وهذا القول تلاحظون أنه يعضده دليل قوي ثابت حتى يقول الترمذي حديث عروة بن مضرس حديث صحيح والحاكم _رحمه الله تعالى_ يقول هذا الحديث على شرط كافة الأئمة . إذاً هذا القول يعضده الدليل واستدلالات الجمهور الذين قالوا بالوجوب كما مر معنا أنها مناقشة. فهذا هو الراجح والعلم عند الله سبحانه وتعالى وهذا هو المتوافق بإذن الله عز وجل . مع حاجة المسلمين وما يعانونه من مشقة وعسر وضيق بسبب كثرة الأعداد وتأخر وقت الانصراف وأنتم تعرفون أنه قبل سنوات قريبه وسنعرض لهذا إن شاء الله في نازلة قادمة أن الناس لم يصلوا إلى مزدلفة إلى بعد طلوع الشمس . لماذا ؟ لأنهم ما انصرفوا إلا بعد غروب الشمس فحينما ينصرف ثلاثة ملايين حاج في وقت واحد مع طرق محدودة مسافة سبعة كيلو مترات فمتى سيصل آخر الحجاج ؟ وسنعرض المسألة إن شاء الله تعالى في مجلس آخر لم يصلوا إلى مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس وبعض أهل العلم يقول إن الوقوف بمزدلفة ركن من أركان الحج فكيف نجبر الناس على أن يقفوا حتى تغرب الشمس مع أن الأدلة التي استدل بها من قال بهذا القول كما تلاحظون ضعيفة ومن قال بأن الوقوف والبقاء إلى غروب الشمس سنه أدلتهم قوية. هذا الذي يظهر لي في هذه المسألة والعلم عند الله .

بواسطة : essaher
 0  0  337
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 02:03 مساءً الثلاثاء 14 مايو 2024.