• ×

08:00 مساءً , الثلاثاء 14 مايو 2024

النازلة العاشرة : العجز عن المبيت بمنى ليالي التشريق .

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
النازلة العاشرة : العجز عن المبيت بمنى ليالي التشريق .
وقبل أن نتحدث عن هذه النازلة نتحدث عن حكم المبيت بمنى ليالي التشريق
ليلة الحادي عشر والثاني عشر للمتعجل و الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر للمتأخر. فأقول ذهب جماهير أهل العلم بمن فيهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إلى أن المبيت بمنى تلك الليالي واجب من واجبات الحج واستدلوا على وجوب المبيت بمنى بأدلة منها ما في الصحيحين أن العباس بن عبد المطلب_ رضي الله تعالى عنه_ أستأذن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ في ترك المبيت بمنى ليالي التشريق من أجل سقايته. لانه كان يقوم على سقاية الحاج من زمزم فأذن له النبي _صلى الله عليه وسلم _ ووجه الدلالة من الحديث ظاهره فإن الرخصة إنما تكون في مقابل العزيمة فلو لم يكن مستقرا عند العباس _رضي الله عنه_ أن المبيت في منى تلك الليالي واجب لما طلب الرخصة من النبي _صلى الله عليه وسلم _ في تركه للعذر، ومن أدلة الجمهور على وجوب المبيت بمنى تلك الليالي ما رواه أصحاب السنن والإمام احمد وصححه الترمذي أن النبي _صلى الله عليه وسلم _ رخص للرعاة في البيتوتة .يعني في ترك المبيت بمنى تلك الليالي وذلك أن الرعاة يحتاجون أن يخرجوا مع الإبل إلى المرعى فيشق عليهم أن يرجعوا في الليل فرخص لهم النبي_صلى الله عليه وسلم_ في ترك المبيت والدلالة من هذا الحديث كالدلالة من السابق أن الرخصة لا تكون الا في مقابل العزيمة ومن أدلة الجمهور على وجوب المبيت بمنى تلك الليالي . ما رواه مالك في موطئه عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب _رضي الله تعالى عنهم _ كان يقول لا يبيتن أحد من الحاج من وراء العقبة. لأن العقبة هي حد منى من الجهة الغربية وكان _رضي الله تعالى عنه _ يرسل رجالاً يدخلون من كان من الأعراب والحجاج خارج العقبة أو من وراء العقبة يدخلونهم في منى تلك الليالي فهذه الأدلة بمجموعها تدل على أن المبيت بمنى تلك الليالي واجب من واجبات الحج ولو كان سنة كالمبيت بمنى ليلة التاسع لما طلب الرعاة والسقاة الرخصة ولما كان عمر_رضي الله تعالى عنه_ يأمر الناس بأن يدخلوا إلى منى في تلك الليالي فلما كانت ليالي التشريق تختلف عن ليلة التاسع ترخص الرعاة والسقاة وأمر عمر_رضي الله عنه_ رجاله أن يدخلوا الناس إلى منى تلك الليالي .
وذهب أبو حنيفة وابن حزم إلى أن المبيت بمنى تلك الليالي سنة لما روي عن ابن عباس _رضي الله تعالى عنهما_ أنه كان يقول إذا رميت الجمرة فبت حيث شئت . ولكن لا شك في رجحان قول الجمهور في هذه المسألة وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل فحديث النبي _صلى الله عليه وسلم_ لا يقدم عليه شيء. فالراجح هو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من أن المبيت بمنى في تلك الليالي واجب. إذا كان واجبا فهل يرخص لأحد في ترك المبيت بمنى تلك الليالي ؟ نعم فقد ثبتت الرخصة كما مر آنفاً للعباس ابن عبد المطلب _رضي الله عنه _ ومن كان معه من بني هاشم من أجل سقايتهم وثبتت الرخصة للرعاة من أجل رعيهم وكان ابن عمر _رضي الله عنهما_ يقول من كان له متاع في مكة يخشى عليه الضيعة فليس علية بأس أن يترك المبيت. ومن أجل ذلك قال أهل العلم إن من كانت له حاجة أو عذر يمنعه من المبيت بمنى في معنى عذر أصحاب الأعذار الذين رخص لهم النبي _صلى الله عليه وسلم_ فإنه يعذر في ترك المبيت بمنى . كأصحاب الحوائج العامة الذين يقومون على مصالح المسلمين سواءً كانت هذه المصلحة مصلحة عامة لجميع المسلمين مثل رجال الأمن والدفاع المدني والصحة والجوازات ونحوهم.أو حتى لو كانت المصلحة مصلحة خاصة لمجموعة من المسلمين فإن الرعاة ما كانوا يرعون ابل المسلمين كلهم. وإنما كان الرجل يرعى ابل رفاقه ومن كان معه في الحج. ولهذا نقول سواءٌ كان الرجل يقوم على مصلحة عامة من مصالح المسلمين كرجال الأمن والدفاع المدني ونحوهم. أو كان يقوم على مصلحة مجموعة من المسلمين مثل أصحاب الحملات الذين يقومون على مصالح مجموعة من المسلمين فإذا أحتاج هؤلاء أن يذهبون إلى مكة أو إلى العزيزية أو العدل أو نحو ذلك. وقد يتأخرون عن المبيت فإنهم في معنى من رخص لهم النبي _صلى الله عليه وسلم_ في ترك المبيت فيقال لهم لا حرج عليكم في ترك المبيت وليس عليكم في ذلك شيء.
نأتي بعد ذلك إلى المسألة التي بين أيدينا وهي :
العجز عن المبيت بمنى . كما هي حال عدد ليس بقليل من المسلمين في هذه الأزمنة فإن الإنسان الذي يذهب إلى الحج هذه الأيام إذا لم يكن منظما إلى حملة لها مخيمات في منى فإنه يجد مشقة عظيمة وعسرا في المبيت بمنى ليالي التشريق. فما حكم هؤلاء ؟ الكلام الذي قلناه في حكم من عجز عن إدراك المبيت بمزدلفة يتكرر هاهنا .فإنا قلنا إن مزدلفة على الصحيح من أقوال أهل العلم أنها واجب من واجبات الحج وأن من عجز عن المبيت بمزدلفة كمن منعه الزحام ومشاكل السير من الوصول إلى مزدلفة حتى طلعت الشمس فإنه معذور وهذا الواجب يجب مع القدرة عليه. أما مع عدم القدرة عليه فإنه يعذر بتركه وليس عليه شيء. وقد رجحنا هذا القول وذكرنا له أدلة في ذلك الموضع. فهذا الكلام الذي قلناه في مزدلفة يجري على المبيت في منى ليالي التشريق. فإن المبيت بمنى ليالي التشريق واجب. ولا شك أن المبيت بمزدلفة آكد من المبيت بمنى فإني لا أعلم أحد من أهل العلم قال إن المبيت بمنى ليالي التشريق ركن. وأما المبيت بمزدلفة فقد ذهب طائفة من أهل العلم إلى أنه ركن في الحج كما سبق. إذن المبيت بمنى ليالي التشريق لا شك أنه أقل تأكيداً ولزوماً من المبيت بمزدلفة ليلة العيد. فإذا سقط المبيت بمزدلفة بالعجز عنه فلئن يسقط المبيت بمنى ليالي التشريق بالعجز عنه من باب أولى. وهذا القول الذي هو إذا عجز عن المبيت بمنى ليالي التشريق يسقط عنه كما أعرف هو قول كثير من أهل العلم في هذا الزمن. فقد أفتى به الشيخ عبد االعزيز بن باز والشيخ محمد العثيمين _رحمهما الله _ وكذالشيخ ابن جبرين و الشيخ عبد الكريم الخضير والدكتور القرضاوي و جمع من أهل العلم المعاصرين فمن عجز عن المبيت بمنى تلك الليالي سقط عنه إلى غير شيء. بمعنى أنه لا يجب عليه أن يجبره بدم. لكن يرد عندنا بعض المسائل المتعلقة بهذه المسألة :
أولها إذا قلنا لا يجب عليه المبيت بمنى ليالي التشريق ويسقط عنه وجوب المبيت بمنى فهل يسقط وجوب المبيت إلى بدل أو إلى غير بدل؟ _ما معنى هذا الكلام_ معناه أنه إذا سقط عنه وجوب المبيت بمنى. هل نقول له نم حيث شئت. ام نقول إنك تعذر في ترك المبيت بمنى لكنك لا تعذر في ترك المبيت فيما يجاور منى ويلاصقها. هذا هو المقصود بهذه المسألة. فالذين أطلعت على أقوالهم من أهل العلم ذهبوا فيها إلى ثلاثة مذاهب :
القول الأول :قال أصحابه إن هذا واجب سقط بالعجز عنه وبالتالي فإنه يسقط إلى غير بدل فيبيت حيث شاء.سواء بات في مزدلفة أو في العدل أو في العزيزية أو في مكة أو في عرفات أو في أي مكان فإذا عجز عن المبيت بمنى فهذا هو الواجب فليس له بدل وممن قال بهذا القول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز_رحمة الله عليه_ وجماعة من أهل العلم .
القول الثاني قال أصحابه إنه إذا عجز عن المبيت قي تلك الليالي فإن هذا الوجوب يسقط إلى بدل وهو أنه يجلس في أدنى الحاج حتى ولو كان خارج منى.
فالآن مثلاً يجلس في المخيمات الملاصقة بمزدلفة فإن عجز عنها انتقل إلى ما يليها مما ليس به مخيمات أو من جهة العقبة مثلاً أو من جهة المجازر ونحوها من الجهة الشمالية المهم أن يكون في أدنى الحجاج. بمعنى أنه إذا ما استطاع أن يجلس في منى يجلس مما يليها ملاصقا للحجاج وهذا قال به جماعة من أهل العلم منهم الشيخ محمد العثيمين _رحمة الله تعالى عليه_ وهذا على سبيل الوجوب يعني أنه إذا سقط عنه وجوب المبيت بمنى فلا يسقط عنه وجوب المبيت فيما يليها وليس له عذر في أن يذهب إلى مكة مثلاً أو إلى العدل أو نحو ذلك. الواجب أنه إذا عجز عن المبيت في منى فيبيت فيما يليها .
القول الثالث في المسألة : قال إنه يسقط عنه وجوب المبيت بمنى لكن يندب له ويستحب له أن يكون ملاصقا للحجاج مما يليهم كأن يكون مثلاً في مزدلفة أو يكون في جهة العقبة أو نحو ذلك مما يلي الحجاج ملاصقا لهم .
هذه هي أقوال أهل العلم في هذه المسألة . وهذا الخلاف مبني على الخلاف في المقصود من المبيت بمنى . هل المقصود البقعة يعني بقعة منى فقط أم أن المقصود البقعة واجتماع الحجيج ؟ _ هل المقصود البقعة فقط يعني أن الإنسان يؤمر بالمبيت بمنى لذات منى لان هذه مشعر جعل الله سبحانه وتعالى المبيت به تلك الليالي شعيرة من شعائر الحج.فهذا هو المقصود فالمقصود أرض منى أو أن المقصود أرض منى ومعه اجتماع الحجاج في صعيد واحد ؟
فمن نظر إلى أن المقصود في المبيت هو البقعة وذات منى قال إنه إذا تعذر على الحاج أن يبيت في هذه البقعة فغيرها من الأماكن سواء. سواء بات في عرفات أو في مزدلفة أو في العدل أوفي العزيزية أو عند العقبة أو حتى بمكة فلا معنى لأن نوجب عليه مكانا آخر لان المقصود هي البقعة .
ومن نظر إلى أن المقصود بالمبيت في تلك الليالي البقعة واجتماع الحجيج في صعيد واحد. كان له نظر آخر ولهذا قال إنه إذا عجز عن المبيت بمنى جلس مما يلي الحجاج ملاصقا لهم متصلاً بهم حتى إن من أهل العلم من قال إنه إذا عجز عن المبيت بمنى وجب أنه يكون ملاصقا للحجاج كالمسجد إذا امتلأ واتصلت الصفوف خارج المسجد جازت الصلاة خارج المسجد لكن بشرط أن تكون الصفوف متصلةً.فهو نظر إلى هذا الأمر وهو اجتماع الناس ولهذا شبه الحجاج بمنى بالجماعة في الصلاة. فإذا امتلأ المسجد واتصلت الصفوف جاز للناس أن يصلوا خارج المسجد بشرط أن تتصل هذه الصفوف. هذا هو أصل الخلاف في هذه المسألة . والذي يظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم هو أن البقعة مقصودة بلا شك وهذا محل إجماع من أهل العلم أنها مقصودة في الحج ولكن مما لا شك فيه أن اجتماع الناس في تلك الأيام وفي تلك المشاعر أنه أيضا مقصود. ولا شك أن من أعظم المقاصد التي من أجلها خلق الله سبحانه وتعالى بل هي أعظم المقاصد التي من أجلها خلق الله سبحانه وتعالى الخلق عبادة الله سبحانه وتعالى وإن من ما يحبه الله سبحانه وتعالى أن يجتمع عباده وأن يظهروا له الفقر والفاقة والامتثال والاستسلام والطاعة ولا شك أن اجتماع الناس حالة تلبسهم بالعبادة من مقاصد الشريعة ومما يدل على ذلك ماروى البخاري ومسلم من حديث أم عطية _رضي الله عنها _ أنها قالت أمرنا _تعني في صلاة العيد_ أن نخرج العواتق وذوات الخدور والحيض يشهدن الخير ودعوة المسلمين. فمن المقاصد التي من أجلها أمرت المرأة وهي حائض أن تخرج إلى صلاة العيد والجارية الصغيرة أن يشهدن الخير ودعوة المؤمنين. يعني أن المؤمنين إذا اجتمعوا فإن دعوتهم حينئذ ترجى بركتها ولهذا قالت يشهدن الخير ودعوة المؤمنين وفي رواية للبخاري (كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا حَتَّى نُخْرِجَ الْحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ
) فهذا مما يدل على أن الاجتماع في أثناء العبادة أنه من مظان نزول رحمة الله تعالى واستجابة الدعاء ومما يدل على ذلك أيضا ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة _رضي الله عنه_ أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ قال في حديث طويل "إن لله ملائكةً سياحين يسيحون في الطرقات يطلبون مجالس الذكر فإذا وجدوا مجلساً تنادوا أن هلموا إلى حاجتكم فذكر النبي_صلى الله عليه وسلم_ الحديث ثم في آخر الحديث قال فيقول الله سبحانه وتعالى لملائكته أُشهدكم أني قد غفرت لهم قال فيقول ملك من الملائكة يارب فيهم فلان عبد خطاء إنما جاء لحاجة_ هذا الرجل ليس منهم إنما جاء لحاجة وهو خطاء يعني كثير الخطايا_ قال فيقول الله سبحانه وتعالى وله قد غفرت هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم " . إذاً اجتماع الناس والتصاق الإنسان بالحجاج وقربه منهم لا شك أنه من المقاصد العظيمة لله سبحانه وتعالى بحيث أن الله يحب ذلك ولهذا جعله مظنة إجابة الدعاء وهو مقصود ولا شك للإنسان وللعبد من اجل أن يتعرض لرحمة الله سبحانه وتعالى لان هذا من مظان إجابة الدعاء. يقول أبن قاسم _رحمة الله عليه_في حاشيته على الروض المربع وهو يتحدث عن الوقوف بعرفة يقول فإذا اجتمعت الهمم و تساعدت القلوب وعظم الجمع كان ذلك مظنة نزول الخير والبركة فإن الله سبحانه وتعالى قد نصب ذلك علامة على القبول . إذاً من أسباب قبول الدعاء وتنزل رحمة الله سبحانه وتعالى أن الناس يجتمعون في مكان واحد مظهرين الفقر والفاقة والذل لله سبحانه وتعالى رافعين اكفهم بالدعاء ولهذا لاشك أنه من الحرمان أن الإنسان يذهب إلى الحج ثم إذا تعذر عليه المبيت بمنى تلك الليالي أخذ شقة في مكان ناء ثم جلس فيها بعيدا عن الحجاج وبعيدا عن التعرض لرحمة الله سبحانه وتعالى في تلك المواقف العظام إن هذا أمر لا شك أنه مخالف لمقصود الحج بالإضافة إلى أن من مقاصد الحج العظيمة أن يجتمع الحجاج في مكان واحد يتعلم جاهلهم من عالمهم ويواسي غنيهم فقيرهم ويساعد قويهم ضعيفهم وهذا لا يحصل حينما يكون الإنسان بعيداً كما أن من أعظم مقاصد الحج تساوي الناس وإظهار الذل والفاقة ولا شك أن كون الإنسان يجلس ملاصقا للناس في خيمة أو في صعيد ليس فيه خيام ولا بناء أنه في مثل هذه الحالة يكون أقرب إلى الذل والعبودية واستشعار الحج مما إذا كان بعيدا في مكان مهيأً لا يقرب من الحجاج ولا يشعر بهم ولا ينتفعون منه ولا ينتفع منهم ومن أعظم المقاصد في الحج للأقوياء وللأغنياء والمتعلمين أن يحسوا في هذا الموقف العظيم بالقرب من إخوانهم الفقراء والضعفاء والمعوزين والجهلاء وأن ينفعوا إخوانهم ويعلموهم ويرشدوهم وإلا فما معنى أن يحج الإنسان خمس مرات أو عشر مرات ثم يجلس في مكان بعيد لا يعلم جاهلاً ولا يرشد ولا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ولا يذل لله سبحانه وتعالى بحيث يجلس بين إخوانه المسلمين لا يشعر بتميز ولا يشعر بعلو لا شك أن هذه من المقاصد العظيمة في الحج ولهذا فإن لم يكن القول الثاني وهو وجوب أن يكون الإنسان ملاصقا للحجاج راجحا فلاشك أن القول الثالث هو الراجح في هذه المسألة. وأنا أستبعد أن يكون الإنسان في نزوله في أدنى الحجاج كنزوله في مكة أوفي العدل أو في مكان بعيد. لاشك أن هذا بعيد في نظري و لا أعتقد أن الإنسان لو تأمل النصوص في هذا المقام ونظر في مقاصد الحج أنه يقول بهذا القول والعلم عند الله سبحانه وتعالى .
أيضا من المسائل المتعلقة بهذه المسألة ،
مسألة بما يحصل العجز ؟ متى نقول إن الحاج عجز عن المبيت بمنى ؟ فبعض الناس يسمع مثل هذه الفتوى من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز أو الشيخ محمد أو غيرهم من أهل العلم وهي أن من عجز عن المبيت بمنى يسقط عنه لكنه يتحرج متى يقال إنه عجز ؟ ولهذا كثير من الناس إذا صلى العشاء مثلاً دخل بسيارته إلى منى وأخذ يبحث عن مكان وأنتم تعرفون ازدحام منى وأن الناس في هذا الوقت وفي تلك الليالي إذا دخل الواحد إلى منى فإنه لا يريد أن يخرج فربما جلس في طرقات منى أربع ساعات أو خمس ساعات أو ست ساعات معه النساء ومعه الضعفاء وبين عوادم هذه السيارات ويضيّق على المسلمين وإذا أرادت سيارات الإسعاف أن تمر ما استطاعت.
فهل نقول إنه لا يحصل العجز حتى تدخل منى وتحاول أن تجد مكانا فإذا لم تجد أصبحت عاجز وسقط عنك المبيت. هذا عندي أنه أشق من أن نقول إنه لا عذر لأحد ويجب المبيت على كل حال ، الصحيح أنه يكفي من هذا أن يعرف الإنسان أو يغلب على ظنه أنه لن يجد مكاناً مناسباً يبيت فيه بمنى تلك الليالي وأنتم تعرفون أن منى الآن أصبحت الأماكن المتاحة فيها محدودة جداً لأنها غطيت تقريباً بالكامل بهذه الخيام فلم يبق إلا الطرقات وشعف الجبال هذا أمر معروف فلن يجد الإنسان إذا لم تكن هناك خيمة مهيأة يأوي إليها لن يجد إلا هذه الشوارع التي جُعلت طريقً للحجاج وطريقاً لسيارات الخدمة والإسعاف ونحو ذلك. فإذا غلب على الإنسان أنه لن يجد مكاناً وليس له مكان يأوي إليه من خيمة ونحوها فإنه يعتبر عاجزا ويعذر في ترك المبيت ، والأرصفة المعدة لمرور المشاة ليست مكاناً للجلوس و لا يعتبر الحصول عليها قدرة على المبيت بمنى. فإن هذه الأرصفة إذا جلس فيها الإنسان فإنه يؤذي ويؤذى وهذا أمر مشاهد لا إشكال فيه. فإن الإنسان إذا جلس فيها ضيق على الحجاج الذين يمرون ويأتون ويذهبون وربما جلس تحت الأرصفة فجلس في ممرات السيارات وضيق على سيارات الخدمة والإسعاف ونحو ذلك. فهو يؤذي الناس بلا شك في جلوسه بتلك الأماكن وأيضا هو يتعرض للأذى. فأنتم تعرفون أن هذه الأماكن ليست أماكن للمبيت صحياً على الإطلاق فهي ملوثة بعوادم السيارات والأتربة والغبار وغير ذلك مما لا يناسب أن يجلس الإنسان فيه تلك الليالي فهو يعرض نفسه لضرر عظيم وربما أيضا عرض أهله ومن معه لدهس ونحو ذلك. وربما كان معه نساء فتكشفن فهذه الأماكن بلا شك أن الحصول عليها لا يعتبر قدرة على المبيت بمنى فإذا لم يكن هناك ساحات أو أماكن مهيأة للجلوس فيها وليست ممرات للسيارات ولا للناس أو خيام معدة فإن الإنسان يكون عاجزا وبالتالي نقول إنه سقط عنه المبيت و رخص له بترك المبيت إلى البدل الذي مر معنا قبل قليل. هذه هي المسألة التي بين أيدينا وعندنا مسألة أخرى ليست نازلة جديدة ولكنها تتعلق بهذه النازلة التي بين أيدينا.
هذه المسألة هي :بعض الناس وهو في بلده إذا أراد أن يحج ثم ذهب إلى حملات الحج وجد حملة لها مخيمات في منى وسعر هذه الحملة مثلاً أربعة آلاف ريال. ووجد حملة أخرى مخيماتها في مزدلفة قيمتها مثلاً ثلاثة آلاف ريال. فهل نقول إنه إذا كان قادرا على قيمة الحملة الأعلى التي مخيماتها بمنى لا يجوز له أن يحج مع الحملة الأرخص ؟ _هذه مسألة مهمة _ فكثير ممن يريد الحج يسأل هل يجوز لي أن أحج بحملة بثلاثة آلاف ريال ومخيماتها في مزدلفة مع أني أجد أربعة آلاف ريال قيمة الحملة التي مخيماتها بمنى. فهل يجوز له أن يذهب مع الحملة الأرخص ؟ هذه هي المسألة وهي متعلقة بالمسألة السابقة كما رأيتم. والحقيقة أن الحديث عن هذه المسألة يجرنا للحديث عن سبب هذه المشكلة. و هو تأجير المخيمات بمنى أو تأجير منى. فلما كان التأجير بمنى أغلى كانت الحملات في منى أغلى فلهذا تجد الحملة الذي مخيمها من فئة ( أ ) قيمتها مثلا خمسة آلاف ريال لماذا ؟قال لأنها قريبة من الجمرات والسعر الذي تستأجر به أغلى. بينما الحملة التي في مخيم (ب)أرخص . (ج) أرخص. (د) أرخص. (هـ) أرخص.
لماذا؟ لأن هذه المخيمات شرائح بحسب قربها من الجمرات تكون أغلى وبحسب بعدها تكون أرخص. فهذا التأجير لمخيمات منى ما حكمهُ ؟لننتقل بعد ذلك إلى مسألتنا التي نتحدث فيها.فأقول :
تأجير أراضي المشاعر سواء كانت عرفات أو منى أو المسجد الحرام و ما جعله الله سبحانه وتعالى مشعرا لإقامة هذه الأنساك ؟ لا يجوز وهذا هو الذي عليه عامة أهل العلم كما أعرف وممن قال بهذا القول ونصره وعضده شيخ الإسلام أبن تيمية _رحمه الله تعالى _ وابن القيم والشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد العثيمين وغيرهم من أهل العلم. ويستدلون على أنه لا يجوز تأجير الأراضي التي جعلها الله تعالى أماكن للمناسك بأدلة كثيرة منها مثلاً قول الله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) العاكف فيه يعني المقيم بمكة. والباد يعني القادم إليه. فهذا المسجد الحرام للناس سواء وإذا كان للناس سواء فإنه ليس لأحد أن يستقل بشيء منه ثم يبيعه على الناس أو يؤجره أو نحو ذلك وأهل العلم متفقون على إنه إنما يؤجِر من ملك وأن الذي لا يملِك لا يؤجر. فليس لك أن تؤجر أرض جارك أو بيته أو دكانه. الأجرة ثمرة للملك والله سبحانه وتعالى يقول (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ)ومما يدل على تحريم تأجير أراضي المشاعر والمناسك ما روى أبو داود والترمذي وأبن ماجه وغيرهم بسند صححهُ الترمذي وجود إسناده الإمام النووي _رحمة الله تعالى على الجميع_وفيه أن عائشة_رضي الله تعالى عنها قالت للنبي_صلى الله عليه وسلم_ في حجة الوداع ألا نبني لك بيتاً يظللك غداً بمنى فقال النبي_صلى الله عليه وسلم_ لا هو مناخ من سبق إليه . وفي بعض الروايات لا منى مناخُ من سبق . إذاً من سبق إليها فهي مناخهُ فإذا قضى حاجتهُ تركها. وليس لأحد أن يضع يده عليها أو يملكها و الشيخ عبد العزيز بن باز_رحمه الله تعالى _ يقول : تأجير المخيمات بمنى سحت. والشيخ محمد بن عثيمين _رحمه الله _ يقول : أراضي المشاعر كالمساجد لا يجوز لأحد أن يبني عليها أو أن يؤجرها. هذا هو كلام أهل العلم في مسألة تأجير أراضي المشاعر في منى أو في عرفات أو مزدلفة أو نحوها.
بعد ذلك نأتي إلى الواقع الموجود بمنى. منى كانت أزمنة طويلة كما تعرفون أو تذكرون يستغل منها الكثير وجزء منها لا يستغل وكان الناس يضعون الخيام بشكل عشوائي بحيث إنه في حالة وجود حرائق يتعذر على رجال الدفاع المدني الوصول إلى الحرائق أو إخمادها وأحياناً يكون اتصال الخيام سببا لانتشار الحرائق وكانت الخيام أيضا من مواد سريعة الاشتعال ولهذا كنا في الزمن السابق لا نكاد نفتقد الحرائق في منى في موسم من المواسم كل سنه يكون فيه حرائق فكان من المصلحة العظيمة المتحتمة أن يقام مثل هذا المشروع العظيم في منى لاستغلال جميع أراضي منى بخيام غير قابلة للاشتعال أو أنها بطيئة الاشتعال تضرب هذه الخيام بشكل جيد التهوية مكيفة فيها ممرات للخدمات والطوارئ وتكون بارتفاعات ومقاسات مناسبة والناس لا يمكن أن يقوموا بمثل هذه المشاريع.فكان هذا المشروع من أعظم الخير والنفع والبركة لعموم المسلمين في أنحاء الأرض حيث جعلت منى بهذه الطريقة ولله الحمد لا اعرف أنه حصلت حرائق منذ وجد هذا المشروع .
نبقى الآن في حكم تأجير منى بعد وجود هذا المشروع ؟ فا أما تأجير أرض منى فلا شك في تحريمه وقد سبق أن اشرنا إليه. أما الحديث عن تأجير هذه الخيام الموجودة في منى . فإن هذه الخيام ضربت للحجاج وأنت بدل ما تأتي وتجلس في العراء أو تجلس في خيام أنت تنصبها دون أن تتقيد بشروط السلامة ودون أن توفر الخدمات جعلت لك هذه الخيام بهذه الطريقة المتحضرة. أما تأجير الخيام بهذه الصفات فإن الذي يظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم هو جوازه ، أن تؤجر الخيام على أنها خيام فقط بقطع النظر عن مكانها بحيث أنها تؤجر بسعر مثلها تماما لو أن هذه الخيمة وضعت في صحراء ليست من المناسك ولا من المشاعر ولا من الأماكن المقدسة. يعني الذي يؤجر هو فقط البناء "الخيمة" وما فيها من الخدمات وإذا كان الأمر بهذه الطريقة فإن الذي أراه والله أعلم هو جوازهُ. وإذا قلنا بهذا القول فمعنى ذلك أن تأجير المخيمات سيستوي فيه المخيم الذي في مزدلفة والمخيم الذي بجوار الجمرة لأن الإيجار للخيمة بقطع النظر عن المكان فهذا هو الذي يجوز أن تسوى أجرة الخيام في أدنى منى وأقصاها شمالها وجنوبها لأن التأجير إنما هو للخيام. فهذا هو الذي أرى رجحانه في هذه المسألة وأن لا يزاد في تأجير هذه الخيام عن قيمة تأجير الخيام بقطع النظر عن الأراضي.
نرجع الآن إلى المسألة وهي إذا وجدت حملتان إحداهما في منى والأخرى بمزدلفة هذه أغلى وهذه أرخص وأنت غني قادر على الحملتين جميعاً هل يجب عليك أن تذهب إلى الأغلى بحيث يقال إنك قادر على المبيت بمنى فإذا لم تدفع الأغلى فقد تركت المبيت وأنت قادر عليه. الذي يظهر والله سبحانه وتعالى أعلم وقد أفتى به سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز _رحمه الله تعالى_ أنه لا يجب ذلك ولو أن الإنسان ذهب إلى الأرخص ولم يدفع أجرة المكان الأغلى أن ذلك جائز في حقهِ و لا يعد قادر على المبيت حينئذ لأن القدر الزائد من الأجرة الذي هو في مقابل الأرض لا يجب عليه ولا يجوز أصلاً أن يؤخذ فلا يجب عليه أن يدفعه وبهذا نقول لو أن الإنسان وهو قادر ذهب إلى مخيم في مزدلفة وذهب مع حملة في أحدى مخيمات مزدلفة فإننا نقول إنه لا يعد قادرا على المبيت بمنى ليالي التشريق إذا لم يكن مكان يبيت فيه ويسقط عنه هذا الذي يظهر والله تعالى أعلم رجحانه في هذه المسألة.

بواسطة : essaher
 0  0  283
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 08:00 مساءً الثلاثاء 14 مايو 2024.