• ×

11:25 صباحًا , الثلاثاء 14 مايو 2024

النازلة الحادية عشره : الرمي قبل الزوال أيام التشريق.

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
النازلة الحادية عشره : الرمي قبل الزوال أيام التشريق.
وهذه النازلة كما تكلمنا في أول مجلس ليست من النوازل بمعنى أنها ليست من القضايا المستجدة التي حدثت في هذا الزمن ولكنها من المسائل التي كما قلت لكم تحتاج إلى إعادة بحث ونظر وتمحيص وترجيح وفق ما تغير من أحوال الناس في هذا الزمن المسألة هي حكم الرمي قبل الزوال أيام التشريق ؟ قد تكلمنا عن بداية وقت رمي جمرة العقبة في مجلس سابق واليوم الحديث عن رمي الجمار في الأيام الثلاثة الباقية للمتأخر وفي اليومين الحادي عشر والثاني عشر للمتعجل قبل أن نبحث حكم الرمي قبل الزوال نعرج على :
هدي النبي_صلى الله عليه وسلم_ في رميه في هذه الأيام الثلاثة فأقول قد ثبت كما في الأحاديث الكثيرة كما في حديث جابر_رضي الله عنه_في صحيح الإمام مسلم وحديث عائشة عند الترمذي وحديث ابن عباس عند أبي داود وحديث ابن عمر عند البخاري أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ كان لا يرمي الجمار في أيام التشريق حتى تزول الشمس وكان _صلى الله عليه وسلم_ يقدم رمي الجمار إذا زالت الشمس على صلاة الظهر فيرمي الجمار ثم يرجع_صلى الله عليه وسلم_ ويصلي الظهر هذا هو هدي النبي_صلى الله عليه وسلم_في رمي الجمار في تلك الأيام ولهذا اجمع أهل العلم على أن من رمى الجمار في أيام التشريق بعد زوال الشمس أن رميه صحيح. لا يختلفون في ذلك لأن هذا هو الموافق لهدي النبي _صلى الله عليه وسلم_
أما مسألتنا وهي حكم الرمي قبل هذا الوقت _الرمي قبل زوال الشمس _ فهذه محل خلاف بين أهل العلم وأشهر الأقوال في هذه المسألة أربعة أقوال :
القول الأول : أن رمي الجمار في أيام التشريق لا يجوز قبل زوال الشمس ومن رمى قبل الزوال لم يصح رميهُ وعليه أن يعيد الرمي مرة أخرى . وهو قول جماهير أهل العلم قال به من الصحابة ابن عمر _رضي الله تعالى عنهما_ وهو قول الأئمة الأربعة في الصحيح من مذاهبهم وخلق من التابعين و الأئمة المتبوعين والعلماء إلى هذا الزمن فهو قول أكثر أهل العلم . أن الرمي قبل الزوال لا يصح ولا يجزئ ومن رمى فعلية الإعادة.
القول الثاني : قال إن الرمي قبل الزوال لا يصح ولا يجزئ إلا في يوم النفر الآخر وهو اليوم الثالث عشر للمتأخر فمن تأخر إلى اليوم الثالث عشر جاز له أن يرمي قبل زوال الشمس وهذا القول رواية في مذهب الإمامين أبي حنيفة واحمد _عليهما رحمة الله تعالى_ أما بقية الأيام الحادي عشر والثاني عشر فلا يجوز ولا يصح الرمي قبل الزوال .
القول الثالث : يقول أصحابه إنه يجوز الرمي قبل الزوال في اليوم الذي ينفر فيه الإنسان فإن نفر في اليوم الثالث عشر جاز له أن يرمي قبل الزوال وإن نفر في اليوم الثاني عشر وتعجل جاز له أن يرمي قبل الزوال أما في اليوم الحادي عشر فلا يصح الرمي قبل الزوال وأما في اليوم الثاني عشر للمتأخر فلا يصح قبل الزوال إنما يصح الرمي قبل الزوال في اليوم الذي ينفر الإنسان فيه من منى ويخرج . وهو رواية عن الإمامين أبي حنيفة وأحمد _عليهما رحمة الله تعالى _ ورجح هذا القول من العلماء المعاصرين الشيخ ابن جبرين حفظه الله فإنه قال بهذا القول إذا احتاج الإنسان إليه وكذلك الشيخ ناصر العمر قال بهذا القول.
القول الرابع : قال أصحابه إنه يجوز الرمي قبل الزوال مطاقا في جميع أيام التشريق الحادي عشر والثاني عشر والثلث عشر لمن تأخر وهذا القول قال به من الصحابة ابن عباس _رضي الله تعالى عنهما_ كما رواه عنه ابن أبي شيبة وقال به ابن الزبير وهو قول أبي جعفر الباقر و ابن طاووس ابن كيسان التابعي المشهور وابنه هذا من الفقهاء المعتبرين الذين اشتهروا بالفتوى وعكرمة تلميذ ابن عباس وهو رواية أيضا عن الإمام أبي حنيفة وقال به جمع من الأئمة من المذاهب فقد قال به من الشافعية الإمام الرافعي وإمام الحرمين الجويني والإمام الإسنوي وقال به من الحنابلة ابن عقيل وابن الزاغوني وابن الجوزي وقال به أيضا من العلماء المعاصرين الشيخ صالح البليهي والشيخ عبد الله بن محمود فقيه قطر والشيخ مصطفى الزرقا و الشيخ يوسف القرضاوي والدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء وقواه أيضا الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي _رحمة الله تعالى عليهم أجمعين_ هذه هي أقوال أهل العلم في هذه المسألة.
أدلة المذاهب في هذه المسألة :
أستدل أصحاب القول الأول بعدد من الأدلة فمن هذه الأدلة.
أولاً ما أسلفنا قبل قليل وهو أنه قد ثبت عن النبي_صلى الله عليه وسلم_أنه رمى الجمار أيام التشريق بعد زوال الشمس وقال : لتأخذوا عني مناسككم .
وقالوا إن النبي_صلى الله عليه وسلم_ كان ينتظر الزوال حتى إنه_صلى الله عليه وسلم_ يرمي الجمار قبل صلاة الظهر وما كان النبي_صلى الله عليه وسلم_ ليؤخر الصلاة عن أول وقتها لو كان يجوز رمي الجمار قبل الزوال فلو كان يجوز قبل الزوال لرمى قبل الزوال وصلى صلاة الظهر في وقتها لكنه أخر الرمي حتى زالت الشمس ثم أيضا النبي_صلى الله عليه وسلم_ داوم على هذا الأمر ثلاثة أيام فإنه رمى في الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بعد الزوال ولو جاز قبل الزوال لرمى ولو يوما واحدا حتى يُعلِمَ الناس بأنه يجوز الرمي قبل هذا الوقت هذا هو الدليل الأول من أدلة الجمهور في هذه المسألة وهو أقوى دليل في هذه المسألة. و هذا الدليل وإن كان إسنادهُ ثابتا لا مطعن فيه إلا أن دلالته على أن وقت الرمي لا يبدأ إلا بزوال الشمس ليست صريحة كما لا يغالط في ذلك أحد فاقتصار هذا الدليل على أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ رمى بعد الزوال. قد ذكرنا مراراً أن فعل النبي_صلى الله عليه وسلم_ المجرد لا يفهم منه الوجوب أو التحديد إلا بأدلة أخرى تضاف علية أما مجرد الفعل من النبي_صلى الله عليه وسلم_ فإنه لا يدل على التحديد فإن كان ثمة أدلة أخرى تدل على التحديد أخذ بها أما الدليل فدلالته ليست قوية أو ظاهرة في أن الرمي لا يبدأ إلا بزوال الشمس كون النبي_صلى الله عليه وسلم_ يداوم عليه ثلاثة أيام أيضا لا يدل على أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال فإن النبي_صلى الله عليه وسلم_ قد يداوم على المستحب قد يداوم على الأمر الأفضل وحتى كون النبي_صلى الله عليه وسلم_ يتحين إذا زالت الشمس ولو أنه يجوز قبل الزوال لرمى قبل الزوال وصلى الصلاة لأول وقتها هذا أيضا ليس فيه دلالة على التحديد بالوقت فكان يمكن أن يقدم النبي_صلى الله عليه وسلم_ الصلاة في أول وقتها ثم يرمي بعد ذلك وليس هناك أحد من أهل العلم يقول إن الرمي لا يجوز بعد صلاة الظهر فالأخذ من هذه الأدلة أن الرمي قبل الزوال لا يجوز يحتاج إلى شيء من التكلف هذا فعل النبي_صلى الله عليه وسلم_ وهديه ولا إشكال في ذلك لكن أن نأخذ من هذا أنه لا يجوز الرمي لهذه الأدلة التي هي مجرد فعل فإن هذا لا ينتج الدعوى فيما يظهر لي ومما يدل على ذلك وأن هذا لا يدل على التحديد مثلاً أن الحنابلة يقولون بأن وقت الوقوف بعرفة يبدأ من طلوع الفجر يوم عرفة إلى طلوع الفجر من ليلة جمع مع أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ ما وقف بعرفة إلا بعد زوال الشمس ومع ذلك قالوا إنه يجوز أن يقف الإنسان ضحى في عرفة ولو دفع وخرج منها قبل الزوال فإن وقوفه صحيح وحجه صحيح مع أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ ما وقف فيها إلا بعد زوال الشمس فمجرد فعل النبي_صلى الله عليه وسلم_ وأنه رمى بعد الزوال لا يدل على أن الرمي قبل الزوال لا يجوز أو لا يصح.
ثانيا من أدلة الجمهور أيضا على أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال ما روى البخاري في صحيحه أن رجلاً سأل ابن عمر _رضي الله عنهما_ متى أرمي أيام التشريق فقال ابن عمر إذا رمى إمامك فارم _ كان في الزمن السابق يكون على الحج أمير هو الذي يقود الناس ويتولى أمورهم _ فكرر السائل السؤال عليه مراراً فقال : كنا نتحين زوال الشمس فإذا زالت رمينا _يعني كنا نتحرى ننتظر مثل ما يحصل الآن عند المرمى في اليوم الثاني عشر تجد أن الناس متأهبين معهم الحجارة ينتظرون زوال الشمس كل واحد ينظر في ساعته حتى إذا زالت الشمس رمى فهذا هو التحين يعني انتظار هذا الحين_ وهذا فعل الصحابة_رضوان الله عليهم_ وهو دليل على أن الرمي لا يجوز قبل الزوال ولو جاز قبل الزوال ما جلسوا ينتظرون الزوال ويتحينونه. وهذا أيضا دلالته وإن كان صحيحاً ثابتا كما في صحيح البخاري لكن دلالتهُ على عدم صحة الرمي قبل الزوال ليست صريحة كما أسلفنا.
ثالثا : ومما استدل به الجمهور في هذه المسألة وهو دليل صريح وصحيح لكن يرد عليه إشكال آخر فقد روى مالك في موطئه عن نافع عن ابن عمر _رضي الله تعالى عنهم _ أنه قال لا ترم أيام التشريق قبل أن تزول الشمس. وهذا من كلام ابن عمر_رضي الله عنهما_ وليس مرفوعاً إلى النبي_صلى الله عليه وسلم_ وهذا دلالته صريحة لكن الإشكال أنه من كلام ابن عمر_رضي الله عنهما_ وأهل العلم يختلفون في قول الصحابي هل هو حجة إذا لم يخالفه صحابي آخر ولكن ابن عمر_رضي الله تعالى عنهما_ قد خالفه صحابيان كما أسلفنا في الأقوال أنه قد ثبت عن ابن عباس وابن الزبير_رضي الله تعالى عنهما_ أنهما رميا قبل الزوال. فقول الصحابي إذا خالفه صحابي آخر لا يختلف أهل العلم في أنه تجوز مخالفته ولا يجب إتباعه في هذا القول هذه هي أبرز أدلة الجمهور على أن الرمي لا يجوز ولا يصح قبل زوال الشمس .
أما القول الثاني الذي قال أصحابه إن الرمي قبل الزوال يجوز في يوم النفر الآخر الذي هو اليوم الثالث عشر للمتأخر. فقد استدل أصحاب هذا القول بدليلين :
الدليل الأول : مارواه البيهقي في سننه عن ابن عباس_رضي الله عنهما_ مرفوعاً إلى النبي_صلى الله عليه وسلم_ انه قال إذا انتفخ النهار من يوم النفر الآخر فقد حل الرمي والصدر. إذا أنتفخ النهار يعني إذا ارتفعت الشمس. من يوم النفر الآخر النفر له يومان يوم النفر الأول هو يوم الثاني عشر للمتعجل ويوم النفر الآخر هو اليوم الثالث عشر. فقد حل الرمي والصدر.الرمي معروف والصدر أن الإنسان ينفر ويخرج. هذا هو أبرز أدلة أصحاب هذا القول ولكن هذا الدليل لا يصح عن النبي_صلى الله عليه وسلم_ فإنه من رواية طلحة بن عمر المكي وقد ضعفه الأئمة قال الإمام احمد : متروك وقال النسائي : هو متروك الحديث وقال يحيى بن معين وعلي ابن المديني ليس بشيء وقال البيهقي ضعيف وانتم تعرفون أن المتروك حديثه لا ينجبر بحال ولا يصح وإذا فالاستدلال بهذا الدليل لا يستقيم.
الدليل الثاني من أدلة أصحاب هذا القول.أنه يجوز للإنسان أن يتعجل في يومين، بمعنى أن ينفر من منى في اليوم الثاني عشر وإذا تعجل في يومين يسقط عنه الرمي في اليوم الثالث عشر بالكلية فإذا كان يسقط عنه الرمي بالكلية فلأن يجوز تقديمه قبل الزوال من باب أولى ولكن هذا التعليل لا يستقيم لأن العبادة قد تكون مندوبة لكن إذا دخل بها الإنسان وجب عليه أن يلتزم بها، فمثلاً حج التطوع إذا دخله الإنسان فهل نقول إن هذا الحج تطوع بمعنى أن أعماله تختلف عن حج الفرض أو أنه يرخص له في أشياء لأن حجه تطوع لا فإن الله عز وجل يقول " وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ " فإذا دخل الإنسان في هذا النسك وجب أن يلتزم فيه بهدي النبي_صلى الله عليه وسلم_ وبصفة العبادة كما أمر الله سبحانه وتعالى بها وكما أمر بها رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ .هذه هي أدلة أصحاب القول الثاني في هذه المسألة .
أما أصحاب القول الثالث وهم الذين قالوا انه يجوز الرمي قبل الزوال في اليوم الذي ينفر فيه الإنسان سواءً اليوم الثاني عشر أو اليوم الثالث عشر فإن هؤلاء استدلوا بأدلةٍ منها.
الدليل الأول قول الله سبحانه وتعالى" وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ " فرخص الله سبحانه وتعالى لمن تعجل في الحج في يومين وهو الذي ينفر من منى في اليوم الثاني عشر في ثاني أيام التشريق . وجه الدلالة من الآية أن الله سبحانه وتعالى جعل اليومين ظرفا للتعجل ، فالتعجل النفر في اليوم الثاني عشر فإذا كان اليوم الثاني عشر ظرف للتعجل دل على جواز الرمي في جميع اليوم الثاني عشر لأن الله عز وجل جعل هذا اليوم كله وقتاً للتعجل ولا يمكن أن يتعجل الإنسان إلا بعد الرمي ولا يمكن أن يكون اليوم الثاني عشر كله وقتا للتعجل إلا إذا قلنا إن اليوم الثاني عشر كله وقت للرمي فبهذا نقول إن اليوم الثاني عشر وقت للتعجل فيكون وقت الرمي في جميع هذا اليوم.
الدليل الثاني مما استدل به أصحاب أن الله سبحانه وتعالى رخص للحجاج في التعجل في اليوم الثاني عشر وإذا قلنا لا يجوز الرمي إلا بعد زوال الشمس فمعنى ذلك أن بداية الرمي محددة بزوال الشمس والمتعجل لا بد أن يخرج من منى قبل غروب الشمس فمعنى ذلك أن وقت الرمي بالنسبة للمتعجل ما بين زوال الشمس إلى غروبها فإذا علمنا أن الله سبحانه وتعالى في علمه السابق يعلم أعداد الحجيج في عهد محمد _صلى الله عليه وسلم_ وبعدهُ إلى يوم الناس هذا وإلى يوم القيامة وأدركنا أن المتعجلين في مثل هذه الأزمنة يضيق هذا الزمن على الرمي بالنسبة لهم فإذا قلنا أن الرمي لا يكون إلا في هذا الوقت المحدود مع هذه الأعداد الهائلة من الحجاج وممن يريد أن يتعجل فيشبه هذا أن يكون من الترخيص بما لا يمكن . يعني كيف يقال مثلاً لمليوني حاج أو ثلاثة ملايين حاج كلهم يريد أن يتعجل لا ترموا إلا ما بين زوال الشمس إلى غروبها فإذا عرفنا أن هذا الوقت لا يتسع وأن الله عز وجل رخص لهم في الرمي في هذا الوقت وفي الدفع فإن هذا يكون من الترخيص بما لا يمكن كما لو قيل لك مثلاً صل صلاة الظهر من زوال الشمس إلى ما بعد الزوال بدقيقتين والصلاة أربع ركعات فلا يمكن أن تصلي الصلاة في هذا الوقت فهم يقولون إن تحديد وقت الرمي للمتعجلين بما بين الزوال إلى الغروب إبطال لرخصة الله سبحانه وتعالى في التعجل لمن لا يستطيع إيقاع الرمي في هذا الوقت
ولئلا نبطل رخصة الله سبحانه وتعالى يجوز الرمي قبل الزوال لأنه لا يمكن أن يرمي هؤلاء المتعجلون ويخرجُوا من منى قبل الغروب إلا إذا قلنا يجوز الرمي قبل الزوال هذا هو دليل من قال بهذا القول .
وقد يناقش هذا الاستدلال بأن ما بين الزوال إلى غروب الشمس قد لا يضيق لكن الناس يتزاحمون على الرمي في أول الوقت ولكن الوقت كله لا يضيق عن هذه الأعداد ولكن هذه المناقشة أيضا فيها نظر فإنه بلا شك لو أن كل الحجيج تعجلوا والتعجل جائز لهم فإن هذا الوقت يضيق عن أن يستوعبهم الرمي.
أدلة القول الرابع في هذه المسألة وهو قول من قال أنه يجوز الرمي قبل الزوال مطلقاً . استدل أصحابه بعدد من الأدلة من ابرز أدلتهم وأظهرها :
الدليل الأول عدم الدليل الدال على التحديد قالوا إنه ليس هناك دليل يدل على التحديد بزوال الشمس والأصل أن أيام التشريق كلها أيام للرمي فإن النبي_صلى الله عليه وسلم_ رخص للرعاة أن يجمعوا رمي يومين في يوم واحد يرموا جمرة العقبة ثم يرموا الحادي عشر والثاني عشر في أحدهما فدل ذلك على أن كل أيام التشريق وقت لي الرمي فإذا لم يقم دليل على التحديد وكانت أيام التشريق كلها أيام رمي فمعنى ذلك أنه يجوز الرمي قبل الزوال.
الدليل الثاني من أدلة أصحاب هذا القول القياس على جمرة العقبة فكما أن جمرة العقبة تجوز من طلوع الشمس ولأهل الأعذار من قبل ذلك فإن الجمار في أيام التشريق تجوز قياسا على جمرة العقبة لكن هذا الدليل يمكن أن يناقش فإن جمرة العقبة رخص في وقتها وقدم لأن يوم العيد فيه أعمال كثيرة ولهذا سمي يوم الحج الأكبر إذ فيه رمي جمرة العقبة وفيه الطواف والسعي والحلق والنحر فا أعمال يوم العيد كثيرة ولهذا وسع في وقته أما أيام التشريق فليس هناك للحاج إلا رمي الجمار فقياس أيام التشريق على جمرة العقبة أو يوم النحر قياس مع الفارق .
الدليل الثالث من أدلة أصحاب هذا القول ما مر في مناقشة أدلة الجمهور وهو القياس خاصة عند الحنابلة الذين يقولون بأن الوقوف بعرفة يبدأ من طلوع الفجر القياس على الوقوف بعرفة فكما أن الوقوف بعرفة يبدأ من طلوع الفجر مع أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ لم يقف إلا بعد الزوال فكذلك رمي الجمار يجوز قبل الزوال مع أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ لم يرم إلا بعد الزوال .
ويذكر أصحاب هذا القول أدلة كثيرة تدور حول معنى التخفيف والتيسير ولكن التخفيف المطلق دون الاعتبار بالنصوص الشرعية ليس له اعتبار ولا نظر فإن العبادات والفرائض وواجبات الدين كلها لا تخلو من مشقة لهذا كان النبي_صلى الله عليه وسلم_ من أقواله من صلى البردين دخل الجنة . بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة.إسباغ الوضوء على المكاره. كثرة الخطاء إلى المساجد. ليس فيه عمل من الأعمال الشرعية لا يكون فيه مشقة كثرت أو قلت فمجرد المشقة في هذا الأمر ليس كافيا للاستدلال على جواز الرمي قبل الزوال. ولكن الاعتبار في هذا المعنى هو أن هذه الأيام أيام للرمي والأصل في الرمي أنه يبدأ بطلوع الشمس كما في حديث الرسول _صلى الله عليه وسلم_ لبني عبد المطلب أبيني لا ترموا حتى تطلع الشمس وأن هذه الأيام كلها أيام للرمي وأن النبي_صلى الله عليه وسلم_ رخص للرعاة أن يجمعوا رمي يومين في يوم واحد فإذا كانت هذه الأيام بمثابة يوم واحد وأعمال الحج فيها على السواء فإن الرمي يصح فيها قبل الزوال كما يصح بعده ومما استدل به أصحاب هذا القول أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ طاف للإفاضة يوم النحر ومع ذلك لا أحد يقول إن طواف الإفاضة ما يجوز إلا يوم النحر بل يجوز أن يوقعه الإنسان يوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر ومن أدلة أصحاب هذا القول أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ ما كان يسأل في هذه الأيام عن شيء قدم ولا أُخر إلا قال لا حرج لا حرج لا حرج في أدلةٍ كثيرة ومما استدل به أصحاب هذا القول أيضا وقواه الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي _رحمة الله تعالى عليه_ أن النبي_صلى الله عليه وسلم_ سؤل يوم العيد فقال له قائل يا رسول الله رميتُ بعدما أمسيت فقال النبي_صلى الله عليه وسلم_ أفعل ولا حرج . فهذا كما يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي دلالته قوية على ان الرمي قبل الزوال انه جائز لأن هذا تحرج في الرمي بعد الزوال وهذا بالطبع في يوم النحر الذي هو جمرة العقبة فإذا جاز بعد المساء فمعنى ذلك أن الليل وقت للرمي أما النهار فكالمتقرر عندهم أنه وقت للرمي قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : أيام التشريق كلها ليلها ونهارها أيام أكل وشرب وذكر لله وكلها أوقات ذبح ليلها ونهارها وكلها _ على الصحيح _ أوقات حلق وكلها يتعلق بها على القول المختار طواف الحج وسعيه في حق غير المعذور وإنما يتفاوت بعض هذه المسائل في الفضيلة فكذلك الرمي ا.هـ. هذه هي أقوال أهل العلم وحججهم في هذه المسألة.
وبعد استعراض هذه الأقوال وأدلتِها وما ورد عليها من مناقشات ننتقل بعد ذلك إلى :
الترجيح في المسألة . فا أقول والعلم عند الله سبحانه وتعالى إن قول جمهور أهل العلم في هذه المسألة واستدلالهم بفعل النبي_صلى الله عليه وسلم_ لا شك في أنه يدل دلالة واضحة وجلية على أن الأفضل والأولى والمجزئ إجماعاً أن لا يرمي الإنسان حتى تزول الشمس. وأما دلالته على عدم صحة الرمي قبل زوال الشمس فإنها في نظري ليست صريحة وإذا كانت هذه الأدلة لا تدل دلالة صريحة على منع الرمي قبل زوال الشمس ثم وجدنا أدلة أخرى تدل دلالة صحيحة أو إيماءً على جواز الرمي قبل الزوال مثل رمي ابن عباس _رضي الله عنهما_ قبل الزوال ورمي ابن الزبير_رضي الله عنهما _ قبل الزوال ومثل ظاهر قول الله تعالى "فمن تعجل في يومين فلا أثم عليه" فإنه لا شك عندي والله سبحانه وتعالى أعلم في أن الرمي في اليوم الذي ينفر فيه الإنسان أنه يجوز إن شاء الله تعالى ويصح قبل الزوال. أخذاًً بفعل ابن عباس وابن الزبير_رضي الله تعالى عنهم_ وبظاهر قول الله تعالى :" فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ "ولعدم صراحة الأدلة الدالة على المنع من الرمي قبل الزوال وإذا كانت المسألة والأقوال فيها بهذه القوة والاعتبار فلا شك أن النظر إلى أحوال الناس وما يحصل في هذه الأزمنة من ازدحام شديد وكثرة للحجيج في هذه الأماكن ومن تكرر للحوادث و الوفيات لا شك أن هذا يؤثر على الترجيح ومن يتجاهل مثل هذه الحوادث وحاجة الناس الملحة والمشقة الشديدة والعسر في هذه المسألة مع أن الأدلة ليست صريحة في المنع لا شك أنه يبعد النجعة فإذا كانت الأدلة متقاربة ومحتملة وأحوال الناس كما تشاهدون من المشقة والعسر وما يكاد يخلو موسم من المواسم من وفيات تحصل عند تحين الناس لزوال الشمس في اليوم الثاني عشر فإن القول بترجيح المنع مع عدم صراحة الأدلة هذا في نظري ضعيف والله سبحانه وتعالى أعلم.
فأما الرمي قبل الزوال في اليوم الذي ينفر فيه الإنسان فلا شك عندي في جوازه وفي صحته. وأما في اليوم الذي لا ينفر فيه الإنسان مثل اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر للمتأخر وإن كانت الأدلة ليست صريحة في المنع إلا أن مخالفة قول الجمهور في هذه المسألة والخروج من الخلاف مستحب كما هو مقرر فا الأولى للإنسان أن لا يرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر ولا في اليوم الثاني عشر إذا لم يكن يريد التعجل لكن إذا كان يريد الخروج يجوز له أن يرمي قبل الزوال في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر هذا الذي أراه راجحا في هذه المسألة والعلم عند الله سبحانه وتعالى. هذه هي المسألة التي بين أيدينا بقيت مسألة تابعة لهذه المسألة.
وهي إذا قلنا يجوز الرمي قبل الزوال قد يقول قائل متى يبدأ الرمي ؟
أقول الذين قالوا يجوز الرمي قبل الزوال اختلفوا متى يبدأ وقت الرمي على قولين:
القول الأول : أن وقت الرمي يبدأ بطلوع الفجر فإذا طلع الفجر انتهى وقت رمي جمرة الأمس وبدأ وقت جمرة اليوم .
القول الثاني : إن وقت الرمي يبدأ بطلوع الشمس .
هما قولا ن في هذه المسألة فا أما الذين قالوا يبدأ بطلوع الفجر فقالوا إن هذه الأيام كما أسلفنا كلها وقت للرمي. فإذا قلنا إن الرمي ينتهي بطلوع الفجر فمعنى ذلك أنه إذا انتهى ابتدأ وقت رمي الجمرة التالية . وأيضا يقيسون بداية الرمي ببداية رمي جمرة العقبة وقد ذكرنا أن من أقوال أهل العلم في رمي جمرة العقبة أن من أهل العلم يقول يبدأ وقتها بطلوع الفجر هذا هو القول الأول في هذه المسألة .
القول الثاني في هذه المسألة. أن الرمي يبدأ بطلوع الشمس قال أبو جعفر محمد بن على الباقر _رحمه الله تعالى_ ورحم آباءه : أرم من طلوع الشمس إلى غروبها و الذين حددوا الرمي بطلوع الشمس يظهر والله سبحانه وتعالى أعلم أنهم اعتمدوا في ذلك على القياس على جمرة العقبة فإن النبي _صلى الله عليه وسلم _ قال في جمرة العقبة حينما قدم ضعفه أهله مع بني عبد المطلب أُبيني_يعني أي بَنيا_ لا ترموا حتى تطلع الشمس والحديث مخرج عند الخمسة قالوا هذا دليل على أن الأصل أن وقت رمي الجمرة إنما يكون بطلوع الشمس فإذا قلنا في جمرة العقبة يجوز رميها قبل ذلك لما ثبت في حديث أسماء وأم سلمه_رضي الله عنهما_ في رميهن قبل الفجر أو بعد الفجر قبل طلوع الشمس فإن الرخصة التي تثبت في جمرة العقبة لا تثبت في أيام التشريق.لأن جمرة العقبة عمل من خمسة أعمال في يوم النحر الرمي والحلق والنحر والطواف والسعي فهي خمسة أعمال
فيحتاج الحاج إلى أن يطول الوقت حتى يستطيع أن يأتي بهذه الأعمال كلها أما في أيام التشريق فالعمل الوحيد الذي يقوم به الحاج في نهارها هو رمي جمرة العقبة فلم يحتج لهذه الرخصة هذه هي الأقوال في هذه المسألة .
والذي يظهر لي والله أعلم هو القول الثاني أن الرمي إنما يكون بعد طلوع الشمس ولو كان حديث بن عباس عند البيهقي إذا انتفخ النهار من يوم النفر الآخر فقد حل الرمي والصدر.لو كان صحيح أو يقبل أن يحتج به لكان دليلاً لهذه المسألة لكنه لا يصح كما قلنا وضعفه لا ينجبر فإن فيه متروكا وبتالي لا يصح الاحتجاج به والذي يظهر والله تعالى أعلم في هذه المسألة أنه لا يبدأ وقت الرمي إلا بطلوع الشمس.
هذا هو المجلس السابع من المجالس التي تعقد في هذه الدورة لبيان بعض أحكام نوازل الحج وفي هذا المجلس سوف نتحدث بإذن الله تعالى عن نازلتين .

بواسطة : essaher
 0  0  293
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 11:25 صباحًا الثلاثاء 14 مايو 2024.