• ×

09:47 صباحًا , الثلاثاء 14 مايو 2024

النازلة الثالثة عشرة : التعجل قبل الثاني عشر لعذر

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

النازلة الثالثة عشرة : التعجل قبل الثاني عشر لعذر .
يقول الله سبحانه وتعالى" وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ". في هذه الآية خير الله سبحانه وتعالى عباده الحجاج بين التعجل والتأخر. والتعجل هو: أن يتعجل الحاج في يومين بمعنى أن ينفر من منى ويخرج منها في اليوم الثاني عشر اليوم الثاني من أيام التشريق بعد أن يرمي الجمرات ذلك اليوم . والتأخر هو أن يتأخر فيبيت بمنى ليلة الثالث عشر ويرمي الجمرات في اليوم الثالث عشر ثم بعد ذلك يطوف للوداع . هذا هو التأخر فلا يجوز لأحد أن يتعجل قبل ما جعله الله سبحانه وتعالى حدا للتعجل . فلا يجوز لأحد أن يتعجل في اليوم العاشر أوفي اليوم الحادي عشر فإن الله سبحانه وتعالى قال" وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ " فأمر الله سبحانه وتعالى كل من أحرم بحج أو عمرة حتى ولو كانا نفلين بإتمامهما على سبيل الوجوب. فأنت في دخولك لحج التطوع أو لعمرة التطوع بالخيار لكنك إذا دخلت فإتمامهما أمر واجب بإيجاب الله سبحانه وتعالى وهذا هو ما ينفرد به الحج والعمرة عن سائر العبادات . فلو أن إنسانا أصبح صائما تطوعا ثم بدا له أن يفطر فإن ذلك جائز . وفي الحديث أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " جاء إلى عائشة فقالت : أهدي لنا حيس . فقال قربيه فإني أصبحت صائما . كان صائما فلم أتي بهذا الطعام أفطر صلى الله عليه وسلم وهكذا بقية العبادات الإنسان إذا دخل في شي منها على سبيل التطوع فإن له أن يقطعه و يخرج منه مع أن الأفضل أن يتمه ويأتي به كله لكن لو قطعه فليس عليه بأس . أما الحج والعمرة فإنهما ينفردان عن بقية العبادات بأن من دخل فيهما حتى ولو كانا تطوعا فإنه يجب عليها إتمامهما فبمجرد ما تحرم بالحج أو بالعمرة تكون أنت ومن يحج الفريضة سواء في وجوب الإتيان بجميع أعمال الحج لقول الله سبحانه وتعالى " وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ".
نأتي إلى مسألتنا وهي من تعجل قبل الوقت الذي جعله الله سبحانه وتعالى حدا للتعجل . الله عز وجل جعل حد التعجل أن يرمي الإنسان الجمار من اليوم الثاني عشر فإذا رمى الجمار في اليوم الثاني عشر جاز له حينها أن يتعجل لقوله سبحانه وتعالى " فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ " يأتي إنسان يريد أن ينفر من مكة في اليوم الحادي عشر أو في اليوم العاشر مثلا فنقول إن من يتعجل قبل الحد الذي جعله الله سبحانه وتعالى حدا للتعجل له حالتان :
الحالة الأولى: أن يتعجل بلا عذر . إنسان مستعجل يريد أن يغادر مكة بأي طريقة ويرجع إلى بلده مل سئم أو أنه رتب هذا الأمر وهو في بلده فحجز مثلا طيران أو نحوه في اليوم الحادي عشر كما يفعل بعض الحجاج أحيانا ربما تجد إنسانا في اليوم الحادي عشر راجع من الحج فيترك المبيت ليلة الثاني عشر ويترك رمي الجمار ويرجع إلى بلده فإن هذا لاشك أنه أرتكب إثما وخالف أمر الله سبحانه وتعالى وترك عددا من أعمال الحج وفي تركه لهذه الأعمال بلا عذر فإنه يترتب عليه ما يترتب على من ترك نسكا من الأنساك دون عذر.
فيترتب على ذلك أولا الإثم فإنه يأثم لأنه خالف أمر الله سبحانه وتعالى في وجوب إتمام الحج وخالف أمر الله سبحانه وتعالى في وجوب المبيت بمنى ليلة الثاني عشر ورمي الجمار في اليوم الثاني عشر فهذا المتعجل قد خالف أمر الله سبحانه وتعالى فهو يستحق الإثم لمخالفته أوامر الله سبحانه وتعالى ولأنه لم يأت بالعبادة كما أمر الله عز وجل بقولة " وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ " فأول ما يترتب على ذلك أنه يأثم لتركه المبيت ورمي الجمار إلى آخره من أعمال الحج .
الأمر الثاني أنه يترتب على هذا الحاج ما يترتب على من ترك نسكا من هذه الأنساك . فإذا ترك المبيت بمنى ليلة الثاني عشر قلنا إنه ترك واجبا مع القدرة عليه فيترتب عليه ما يترتب على من ترك واجبا عند أهل العلم . فمن أهل العلم من يقول عليه دم ونهم من يقول يطعم مسكينا ويترتب عليه ما يترتب على من ترك رمي الجمار في اليوم الثاني عشر وهذا واجب من الواجبات كما هو معروف فيترتب عليه ما رتبه أهل العلم من ترك رمي الجمار في اليوم الثاني عشر وأنه يجب عليه دم لترك هذا الواجب . هذا فيمن تعجل قبل اليوم الثاني عشر بلا عذر .
النوع الثاني من المتعجلين : هم محل النازلة التي نريد أن نتحدث عنها وهم أولئك الذين يتعجلون قبل اليوم الثاني عشر بأعذار . وهذه النازلة حدثت قبل عدة سنوات نازلة وترتب عليها أن عددا ليس بالقليل من الحجاج أضطر إلى أنه يغادر مكة في اليوم الحادي عشر. فتذكرون أنه قبل عدة سنوات بعد أن تقرر أن الوقوف بعرفة اليوم الفلاني موافقا للتقويم ورتب الناس وأصحاب الحملات والحجاج حجوزاتهم في المطارات وفي البواخر على ذلك و في اليوم الرابع تقريبا من شهر ذي الحجة أو في اليوم الخامس أصدر مجلس القضاء الأعلى قرارا بأن يوم عرفة في اليوم العاشر بالنسبة للتقويم بمعنى أن الرؤية خالفت التقويم فأخر الوقوف بعرفة يوما فأصبح اليوم العاشر في التقويم هو التاسع حسب الرؤية فما الذي حدث .
الذي حدث أن الكثير من الحجاج وأصحاب الحملات رتبوا حجوزاتهم خاصة الحجاج الذي نريد أن نتحدث عن حالهم الذين كان في نيتهم أن يتعجلوا في اليوم الثاني عشر فقد كانوا حجزوا على الطائرات في اليوم الثاني عشر حسب التقويم وحسب ما كان أول الأمر فلما عدل الموعد تأخر الوقوف بعرفة يوما وأصبح اليوم العاشر هو الحادي عشر والحادي عشر هو الثاني عشر فالذي نتج عن ذلك أن حجز هؤلاء أصبح في اليوم الحادي عشر . الحجاج الذين كانوا من الداخل مثلا من مناطق المملكة أو من المناطق القريبة ونحو ذلك هؤلاء لا إشكال فيهم فإنه إن لم يذهب بالطائرة وجد سيارة وجد النقل هذا لا إشكال فيه لكن بعض الحجاج مثلا كانوا يأتون على رحلات دولية من بلاد بعيدة والواحد منهم الذي حجز اليوم الثاني عشر وأصبح اليوم الثاني عشر هو اليوم الحادي عشر إذا ترك هذه الرحلة فقد لا يتمكن من الحجز على رحلة أخرى إلى بلده إلا بعد أسبوعين أو أكثر وبعض هؤلاء الحجاج فقراء ومرتبط بحملات ويحتاج إلى سكن وإلى إعاشة وإلى أمور كثيرة وهو لا يستطيع هذه الأمور فمثل هؤلاء الحجاج الآن أصبح من المتعذر عليهم البقاء إلى اليوم الثاني عشر بسبب هذه الحجوزات فأصبح تعجلهم قبل الوقت الذي جعله الله سبحانه وتعالى وقتا للتعجل بعذر فما حكم هؤلاء؟
فنقول أولا: أما بالنسبة للإثم الذي قلنا إنه يترتب على من تعجل بلا عذر فإن هؤلاء معذورون بسبب أنهم تعجلوا بأعذار خارجة عن إرادتهم ولم يحصل منهم تفريط و بالتالي فإن المؤاخذة على أمر خارج عن إرادة الإنسان لم تأت به الشريعة فإن الله سبحانه وتعالى تجاوز لهذه الأمة عما أكرهت عليه ولم يؤاخذ الإنسان إلا بما يطيق قال سبحانه وتعالى " رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ " و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ أخرجه ابن ماجه
فمن ناحية الإثم فهو مرفوع عنهم في هذا الأمر وهم معذورون في تعجلهم .
نأتي إلى الأمر الثاني وهو : ما يترتب على من ترك نسكا من الأنساك . لأن هؤلاء سوف يتركون المبيت ليلة الثاني عشر وسوف يتركون أيضا رمي الجمار في اليوم الثاني عشر فماذا يجب على هؤلاء في تركهم لهذه الأنساك ؟
لعلكم تذكرون أننا قلنا فيمن عجز عن الوقوف بمزدلفة أنه لا يجب عليه شيء لأنه عاجز لم يستطع الوقوف بمزدلفة وقلنا فيمن عجز عن المبيت بمنى أنه يسقط عنه المبيت بمنى . فهل هؤلاء في حكم من حبس عن مزدلفة فلم يستطع الوصول إليها ؟ أو فيمن حبس عن منى فلم يستطع دخولها ولم يجد مكانا يبيت فيه؟
حينما نتأمل نجد أن بين الفريقين فرقا. فالذي حبس عن مزدلفة أو عن منى عاجز عن الوقوف بها أما هؤلاء فليسوا عاجزين عن الوقوف ما حبسوا عنها يستطيع الواحد منهم أن يترك هذه الرحلة ويبقى ويبيت ويقف لم يحصر فهذا فرق بين الأمرين . الآخر نقول إنه غير قادر والله عز وجل يقول " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا "
ولهذا قلنا إنه يسقط عنه إلى غير بدل . أما هؤلاء فإن الواحد منهم قادر على الوقوف وقادر على المبيت ولكن يترتب عليه ضرر . ولهذا أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية والشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ عليهم جميعا رحمة الله تعالى ـ أفتوا بأن من كانت هذه حاله فإنه يلزمه ما يلزم من ترك هذه الأعمال . فمن ترك المبيت ليلة الثاني عشر فقد ترك واجبا من واجبات الحج فيلزمه ما يترتب على هذا الترك عند أهل العلم ويلزمه على ترك الرمي اليوم الثاني عشر ما يلزم من ترك هذا الواجب على خلاف بين أهل العلم فيما يجب على من ترك المبيت أو ترك الرمي فمن أهل العلم من يجعل في ترك المبيت عن كل ليلة دم وإذا ترك المبيت كل الليالي عليه دم واحد ومن أهل العلم من يقول إن الليلة الواحدة فيها إطعام مسكين فإذا ترك الليالي كلها فعليه دم واحد ولهذا اختلفت فتواهم فمرة يقولون عليه في ترك المبيت إطعام مسكين واللجنة الدائمة تقول : عليه في ترك المبيت دم ، وكذلك رمي الجمار اليوم الثاني عشر من أهل العلم من يجعل فيه إطعام مسكين وأكثر أهل العلم يوجبون دما لترك رمي الجمار في هذا اليوم . المهم أنه يترتب عليه في ترك المبيت ورمي الجمار في اليوم الثاني عشر ما يترتب على من ترك هذين النسكين .
يأتي عندنا إشكال هذا الإشكال هو في طواف الوداع . افترض أن هذا الحاج لما علم أن رحلته في اليوم الحادي عشر ولا يستطيع البقاء استفتى فقيل له كل واجب تتركه عليك كذا وكذا قال طيب أنا سوف اترك المبيت مضطرا واترك رمي الجمار مضطرا لكن طواف الوداع أنا ما عندي مانع أطوف في اليوم الحادي عشر .
فالإشكال هو في هذا الوداع هل يصح أن يطوف الوداع في اليوم الحادي عشر أم لا يصح ؟
فمن أهل العلم وهو الذي أفتت به اللجنة الدائمة والشيخ عبد العزيز بن باز ـ عليه رحمة الله ـ من يقول إن طواف الوداع في اليوم الحادي عشر ولو كان المتعجل معذورا لا يصح ولو أتى به الإنسان وبالتالي يجب عليه على ترك الوداع دم لأنه ترك واجبا . هذا هو القول الأول في هذه المسألة .
ماحجة هؤلاء على أن طواف الوداع لا يصح في اليوم الحادي عشر ؟ قالوا : لأن طواف الوداع إنما يكون بعد انتهاء أفعال الحج هذا الإنسان الذي يريد أن يتعجل في اليوم الحادي عشر هل تعجل بعد انتهاء أفعال الحج ؟ لا. تعجل قبل انتهاء أعمال الحج لأن الله عز وجل إنما جعل التعجل في يومين فيقولون : إن هذا بقي على أعمال الحج بالنسبة له مبيت ورمي ولهذا فلو طاف للوادع في اليوم الحادي عشر فيكون أتى بالعبادة قبل وقتها فلا تصح منه فهو تماما مثل ما لو صلى الظهر قبل وقتها ولهذا يقولون عليه أيضا دم لترك طواف الوداع ولو طاف لأنه لا يصح منه في هذا الوقت لأن هذا الوقت ليس وقتا لطواف الوداع . هذا قول في هذه المسألة .
القول الثاني : إن طواف الوداع يصح منه في اليوم الحادي عشر إذا كان معذورا بخروجه . فإذا أتى بطواف الوداع فإنه لا يبقى عليه إلا المبيت ورمي الجمار في اليوم الثاني عشر فيكون عليه جزاء المبيت وعليه جزاء رمي الجمار أما الوداع فيكون قد أتى به . ما حجتكم على أنه يجوز طواف الوداع في اليوم الحادي عشر؟
قالوا إن هذا الحاج لما تعذر عليه المبيت ورمي الجمار في اليوم الثاني عشر انتقل الحكم من المبيت ورمي الجمار في اليوم الثاني عشر إلى جبران هذا النقص فعند من يقول عليه في ترك المبيت ليلة الثاني عشر دم وعليه بترك الرمي في اليوم الثاني عشر دم عليه دمان فلما عجز عن المبيت والرمي انتقل الحكم من المبيت والرمي إلى بدلهما أو إلى جبرانهما والجزاء المترتب على تركهما فنقول أيها الحاج عليك مثلا دم بترك المبيت وعليك دم بترك رمي اليوم الثاني عشر فإذا ذبح كبشين في اليوم الحادي عشر فقد أتى بجبران المبيت وبجبران الرمي فأصبحت الأعمال في حقه الآن انتهت . انتهت الأعمال بالنسبة له كان الأصل هو المبيت والرمي عجز عنهما انتقل الأمر إلى الجبران لأن هذا الدم يسميه أهل العلم دم جبران ـ جبران للنقص ـ نقص المبيت ونقص الرمي فيأتي بهذا الدم وذلك الدم فينجبر هذا النقص ويكون النسك في حقه قد انتهى. فإذا انتهى جاز حينئذ أن يطوف للوداع لأن طواف الوداع يكون بعد انتهاء أعمال الحج وهذا انتهت أعمال الحج بالنسبة له . ومما يؤيد هذا القول ويقويه القول بأن طواف الوداع ليس من أعمال الحج فطواف الوداع محل خلاف بين أهل العلم فمن أهل العلم من يجعل طواف الوداع واجبا من واجبات الحج وعملا من أعمال الحج ومن أهل العلم من يقول إن طواف الوداع لحق البيت وليس من أعمال النسك في شيء فالإنسان إذا أراد التعجل إذا رمى الجمرة من اليوم الثاني عشر فقد انتهى الحج بالنسبة له . طواف الوداع واجب لكنه ليس من أعمال الحج وإنما هو واجب لحق البيت يؤيد ذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول " حتى يكون آخر عهده بالبيت " ومما يؤيد أن طواف الوداع ليس من أعمال الحج وإنما هو عمل واجب استقلالا لا على أنه جزء من النسك ماروى أصحاب السنن والإمام أحمد بسند قال عنه الترمذي ـ رحمه الله تعالى ـ إنه حسن صحيح وصححه الألباني أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " إذا فرغ المهاجر من نسكه فلا يجلس فوق ثلاث " المهاجرون الذين هاجروا من مكة إلى المدينة لما فرغوا من الحج قال لهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " إذا فرغ المهاجر من نسكه فلا يجلس في مكة فوق ثلاث" ما وجه الدلالة من هذا الحديث ؟
وجه الدلالة من هذا الحديث : المهاجر الذي يأتي إلى الحج مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينما يفرغ من الحج يعني يرمي الجمرة من اليوم الثاني عشر ثم ينزل إلى مكة متى يطوف للوداع ؟ يطوف للوداع إذا أراد أن يخرج إلى المدينة فلو جلس مثلا ثلاثة أيام لن يطوف للوداع إلا بعد ثلاثة أيام . النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " لا يجلس المهاجر بعد فراغه من النسك " فهذا دليل دلالة صريحة على أن النسك ينتهي برمي الجمرة وأن طواف الوداع بعد النسك لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " لا يجلس بعد فراغه من النسك فوق ثلاث " وطواف الوداع سيكون بعد الثلاث . والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبر أن هذا الجلوس بعد الفراغ من النسك إذن النسك ينتهي ويفرغ منه الحاج برمي الجمرة من اليوم الثاني عشر أو اليوم الثالث عشر وحينئذ يكون الوداع أمرا خارجا عن النسك ليس من أعمال الحج وإنما هو واجب مستقل لحق البيت . فإذا قررنا هذا الأمر وهو : أن الطواف واجب مستقل عن النسك فحينئذ لا معنى لأن نقول أنه لا يصح في اليوم الحادي عشر لأنه تقدم على وقته لأن طواف الوداع لا يكون بينه وبين أعمال الحج ارتباط بل يشترط في الوداع ألا يبقى بعده في البيت . وهذا الذي يريد أن ينفر من مكة في اليوم الحادي عشر يصدق عليه انه كان آخر عهده بالبيت حتى ولو كان لم يصل إلى الوقت الذي ضربه الله سبحانه وتعالى حدا للمتعجلين وبناء على هذين التعليلين لأصحاب القول الثاني فالذي يظهر لي ـ والله سبحانه وتعالى أعلم ـ أن من تعجل في اليوم الحادي عشر بعذر أنه إن طاف للوادع أن طوافه يصح وبالتالي لا يجب عليه إلا جزاء ترك المبيت ليلة الثاني عشر وترك الرمي في اليوم الثاني عشر و يكون قد صح منه طواف الوداع وسقط الإثم وموجب طواف الوادع من الدم أو غيره عند أهل العلم . هذا هو الذي يظهر لي ـ والله سبحانه وتعالى أعلم ـ رجحانه في هذه المسألة وأنه إن طاف للوداع صح وسقط عنه ولم يبق عليه إلا ترك المبيت وترك رمي الجمار في اليوم الثاني عشر .
هذا هو المجلس الثامن من هذه المجالس التي انعقدت في هذه الدورة المباركة لبيان أحكام بعض النوازل في الحج .

بواسطة : essaher
 0  0  307
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 09:47 صباحًا الثلاثاء 14 مايو 2024.