• ×

06:01 مساءً , الثلاثاء 14 مايو 2024

فقه التيسير في الحج

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
وفي هذا المجلس لن نتحدث عن نازلة من النوازل ولكننا سنتحدث عن أمر يهم طالب العلم فيما يتعلق بأحكام المناسك ألا وهو :
فقه التيسير في الحج
الحج كما لا يخفى عليكم أنه من العبادات التي اختلفت فيها أحوال الناس في هذا الزمن اختلافا كثيرا وذلك بسهولة المواصلات وتقارب البلدان ويسر الانتقال مما أدى إلى أن يصل إلى البيت الحرام لأداء مناسك الحج والعمرة أعداد غفيرة هائلة لم تكن في عصر من العصور السابقة . فالحج مر عليه ما يقرب من أربعة عشر قرنا أو قريبا من هذا والحجاج يتراوحون بين أعداد محدودة يسعها المسجد الحرام و المشاعر المقدسة لكن الحجاج إلى عهد قريب كانوا إذا نزلوا بمنى ينزلون في ناحية منها بسبب قلتهم ثم تغيرت الحال بفضل الله سبحانه وتعالى وأصبح كثير من المسلمين في أصقاع الأرض يستطيعون أداء هذه الفريضة فتوافدوا وتقاطروا إلى هذا البيت وعظم العدد وترتب على ذلك أمور من أعظمها وأهمها وأشدها إلحاحا ما يترتب على وجود هذه الأعداد الغفيرة في هذه المناطق المحدودة الأتساع يؤدون مناسك واحدة وأحيانا في نقاط صغيرة ومحدودة كما في رمي الجمار والطواف ونحو ذلك ما يترتب على ذلك من المشقة العظيمة وهذا ما جعل أهل العلم يراجعون بحث كثير من المسائل وإن لم تكن من النوازل يبحثونها ويعيدون النظر في الأدلة كل ذلك بسبب كثرة الحجاج وما نتج عن هذه الكثرة من ازدحام شديد ومشاق عظيمة ووفيات وأمور لا تخفى على أمثالكم
إن أرواح الحجيج ونفوسهم ودمائهم لها حرمة عظيمة هي أعظم عند الله ـ سبحانه وتعالى ـ من حرمة البيت الحرام فإن المسلم أعظم حرمة عند الله عز وجل من البيت الحرام الذي هو أقدس البقاع وأطهرها وأشرفها في الأرض وبالتالي فإنه لابد من النظر في مسائل الحج وفي أعماله وفي مناسكه وفق هذه الظروف وهذه الأحوال بما لا يخل بأداء هذه الشعيرة العظيمة وفي المقابل لا يلزم الناس بما لم يلزمهم به الشارع الكريم مما يترتب عليه إزهاق الأرواح والضرر العظيم الذي يلحق بالمسلمين رجالا ونساء أقوياء وضعفاء مما لا يخفى عليكم . و حديثنا في هذه الدقائق عن فقه التيسير في الحج إنما هو بسبب ما يثور من إشكالات في أذهان كثير من طلاب العلم وهو أنه كيف أن طلاب العلم والعلماء في هذا العصر كل يوم يقدمون شيئا من التنازلات الرمي يجوز في الليل , الرمي يجوز قبل الزوال , يجوز الدفع من عرفات قبل غروب الشمس , يجوز البقاء في مزدلفة بمقدار ما يصلي المغرب والعشاء , ما هذه التنازلات؟ حتى إن بعض الناس بدأ بالتندر بالعلماء وطلاب العلم بسبب هذه الفتاوى وهذا ما عاد بالإشكال على طلاب العلم عن سبب هذه التنازلات . هذا الفقه الذي وسع الأمة أربعة عشر قرنا ألا يسعنا في هذا الزمن ؟ لماذا تراجع العلماء وطلاب العلم لماذا أفتوا بكذا لماذا أفتوا بكذا هذا هو ما حملني على أن أطرق هذا الموضوع في هذه الدقائق حتى يتبين لطالب العلم أن على العالم وطالب العلم والباحث أن يعيد النظر في أعمال الحج ومناسكه وشعائره وأعماله وواجباته وأركانه وسننه وفق الأدلة الشرعية لا وفق نظرة معينة لعالم سبق أو فقيه سبق وإنما وفق الأدلة من كتاب الله ومن سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مستنيرا بفهم صحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذين كانوا معه في حجة الوداع فأول ما نريد أن نتحدث عنه في هذا الموضوع هو الأدلة أو الدلائل على أن من مقاصد الشرع التيسير في الحج فإن من الإشكالات التي قد ترد في أذهان بعض الناس وبعض طلاب العلم تلك الفهُوم الخاطئة أن الحج شعيرة مبنية على المشقة والعسر و من لم يجد ذلك فما حج فأنا أقول إن الحج عبادة من العبادات التي جاء بها الإسلام فاليسر الذي جاء به الإسلام في جميع شعائره ينطبق على الشعائر كلها وعلى العبادات كلها بما في ذلك الحج فا الأدلة العامة التي تدل على يسر هذا الدين وسماحته ورفع الآصار والأغلال عن أهله عموماً تدل على جميع العبادات وتدل على الحج عموماً كما أن ثمة أدلة خاصة تدل على أن هذا الركن مبني أيضا على التيسير و السماحة فمن هذه الأدلة :
(1) قول الله سبحانه وتعالى (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) وفي هذا أخبر الله سبحانه وتعالى أنه لم يجعل على عباده في هذا الدين من حرج و أن هذا الدين و الحنيفية السمحة التي بعث بها إبراهيم _عليه السلام _ والحج من أعظم الميراث الذي ورثته هذه الأمة المسلمة عن إبراهيم الخليل فقد صح عن النبي _صلى الله عليه وسلم _ كما في الحديث الذي رواه الخمسة وقال عنه الترمذي إنه حديث حسن صحيح أن النبي _صلى الله عليه وسلم _بعث مناديا ينادي على الناس وهم في المشاعر : أيها الناس كونوا على مشاعركم فإنكم على أرث من أرث إبراهيم ـ عليه السلام ـ . فهذه الشعيرة وهذا النسك وهذا الحج من أعظم ما ورثتهُ هذا الأمة عن إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ من الدين والحنيفية السمحة التي يسرها الله سبحانه وتعالى لعبادة .
(2) ومن الأدلة الدالة على أن هذا الركن وهذه الشعيرة بنيت على التيسير الأدلة الدالة على فرضية هذا الحج فإن الله سبحانه وتعالى جعل فرض الحج مشروطا بالاستطاعة ولو تأملت فإن الصلاة مشروطة بالاستطاعة والزكاة مشروطة بالاستطاعة والصوم مشروط بالاستطاعة ولكنك لا تجد هذا الشروط مقارنة لفرضية الصيام أو الصلاة أو الزكاة بخلاف الحج فإنك تجد اشتراط الاستطاعة في الدليل الدال على الفرضية كما قال الله سبحانه وتعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) و النبي _صلى الله عليه وسلم _ يقول بني الإسلام على خمسة : ... وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا . فالاستطاعة هنا مؤكد عليها في فرضية الحج وفي وجوب الحج كما لم يؤكد عليها في غيره مع أنها شرط في الصيام والزكاة لماذا؟ لأن هذه الشعيرة شعيرة يرد فيها أنها يمكن أن يكون فيها مشقة وعسر وعدم قدرة فناسب أن يؤكد على شرط الاستطاعة فيها وأن الحج لا يجبُ إلا على من استطاع إليه سبيلا فإذا كانت الاستطاعة شرطا في الحج والعسر مرفوع في أصل فرضية الحج فرفعه في أجزاءهِ وفي أعماله من باب أولى.
(3) ومن الأدلة الدالة على أن هذه الشعيرة مبنية على التيسير أنه في كثير من أعمال الحج تجد أنها مبنية على التخيير ، والتخيير نوع من التيسير فمثلاً أول ما تصل إلى الميقات تريد أن تحج يقال لك أنت بالخيار بين ثلاثة أنساك هذا أول التيسير ثم إذا دخلت النسك فإذا أتيت محظوراً من محظورات الإحرام قيل لك (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) على التخيير هذا نوع من التيسير لو أنك قتلت الصيد وأنت محرم لقيل لك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ) فجزاء الصيد مبني على التخيير. يوم العيد عندك مجموعة من الأعمال رمي جمرة العقبة والطواف والسعي والحلق والنحر بأي شيء أبدا أو أقدم أنت بالخيار إذا كان في اليوم الثاني عشر أنت بالخيار إن شئت أن تتعجل أو شئت أن تتأخر كل هذه أدلة دالة على أن هذه الشعيرة مبنية على التيسير وانتم تعرفون أنه في امتحانات المدارس أن من التيسير على الطالب أن تكون الأسئلة اختيارية فهذا دليل على التيسير فهذا التخيير الذي يوجد في الحج هو نوع من أنواع التيسير على حجاج بيت الله الحرام وإذاً فالمشقة ليست مقصودةً في هذه الشعيرة .
(4) ومن الأدلة أيها الأخوة الدالة على أن هذا النسك مبني على التيسير والسماحة أنه في أكثر من موضع كان رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ يرخص للضعفة وذوي الحاجات والأعذار في أشياء وفي أعمال من أعمال الحج فمثلاً في ليلة جمع يقدم النبي _صلى الله عليه وسلم _ ضعفة أهله هذه رخصة والرخصة لا شك أنها تيسير وتسهيل ، في ليالي منى رخص النبي _صلى الله عليه وسلم _ للرعاة في البيتوتة ألا يبيتوا ورخص للرعاة أيضا في أن يجمعوا رمي يومين في يوم واحد ورخص _صلى الله عليه وسلم _ للسقاة في ترك المبيت بمنى ليالي أيام التشريق كل هذه الرخص مظاهر ودلائل تدل على أن هذه الشعيرة مبنية على التيسير والسماحة والتسهيل فيما لا يخرج عن دائرة ما أمر الله سبحانه وتعالى به أو أمر به رسوله_صلى الله عليه وسلم _ .
(5) ومن الدلائل التي تدل على أن الحج مبني على التيسير أيضا أن المحرم مرخص له في أشياء كثيرة كلها من التيسير فللمحرم أن يغير ملابسه وله أن يغتسل وله أن ينظف شعره وبدنه وفي المتفق عليه أن النبي _صلى الله عليه وسلم _ أغتسل وهو محرم وغسل رأسهُ وأقبل بيديه وأدبر. _يعني حرك شعرهُ _ وعمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ غسل شعرهُ وهو محرم وقال لا يزيد الماء الشعر إلا شعثا و يقول ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ ربما دعاني عمر ابن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ ونحن في الجحفة أن نتباقا. ما معنى هذا الأمر أو هذه الكلمة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أمير المؤمنين يدعوا ابن عباس وهما يغتسلان أو يسبحان في البحر أن يتطاولا نفساً أيهما يبقى أكثر تحت الماء. عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ قيل لها إن فلاناً يقول إن المحرم لا يحك شعره فقالت لو ربطت يدي لحككتهُ برجلي . إذاً الحج ليس كما يفهم كثير من الناس أنك إذا أتيت إلى هذه الشعيرة فالمقصود هو أن تلقى المشقة والعنت والعسر لا. هذه كلها أدلة ومظاهر تدل على أن المقصود من الحج هو إقامة العبادة لله سبحانه وتعالى .
(6) مما يدل أيضا على أن الحج مبني على التيسير ما رواهُ أبو داود عن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنها ذكرت قصة حجة الوداع وأن زاملة النبي _صلى الله عليه وسلم _ كانت مع زاملة أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ بمعنى أن متاعهما ورحلهما كانا جميعاً. تقول فنزلنا بالعرج _ موضع بين مكة والمدينة _ فكانت الزامله أو المتاع على بعيرٍ مع غلام لأبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ فجلس أبو بكر ينتظر هذا الغلام حتى طلع عليه هذا الغلام وليس معه بعير. فقال أين بعيرك ؟ فقال ضاع.فأخذ أبو بكر ـ رضي الله تعالى عنه ـ يضربه ويقول بعير واحد تضيعهُ قالت و رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ ينظر إليه ولا يزيد على أن يقول أنظروا إلى هذا المحرم ما يصنع . استنكار من النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول : انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع ، مع أنا أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ يضرب غُلامه تأديباً على تفريطه لأن هذا الغلام ما معه إلا بعير واحد، ما معه رعية أضاع شيئا منها إنما معه بعير واحد أضاعهُ فهذا نوع من التفريط وأبو بكر يؤدبه و النبي _صلى الله عليه وسلم _ يستنكر ذلك ويقول انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع. إذاً من لوازم الإحرام أن الإنسان يبتعد عن الأذى حتى ولو كان له ما يوجب وهذا ما سنشير إليه في الدليل الأخير الذي هو من أشهر الأدلة على أن هذه الشعيرة مبنية على التيسير والسماحة .
(7) فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن النبي _ صلى الله عليه وسلم_ ما سئل يوم العيد عن شيء قدم ولا أخر إلى قال أفعل ولا حرج أفعل ولا حرج . لا حرج هذه الكلمة معناها أن النسك ما بني على الحرج وإنما بني على اليسر والسماحة وعلى التسهيل فإن الله عز وجل في غنىً عن مشقتنا وعنتنا وما نلقاه من الأذى والعنت ، إنما بعثنا الله سبحانه وتعالى إلى هذا البيت وأرسلنا وأمرنا وحثنا لأمر آخر ليس للمشقة ، افعل ولا حرج يعني لا مشقة لا كلفه لا تبعة قدم وأخر ما شئت روى أبو داود في سننه بسند صحيح عن أسامه بن شريك ـ رضي الله عنه ـ أنه قال حججت مع النبي _صلى الله عليه وسلم _ فكان الناس يسألونهُ فمن قائل يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو قدمت أو أخرت ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول لا حرج لا حرج إلا على رجلٍ مسلم أقترض عرض رجلٍ مسلمٍ وهو ظالم له فذلك الذي حرج وهلك. الله أكبر أنظروا إلى هذا الحديث إلى أسلوب النبي _صلى الله عليه وسلم _ في هذا الحديث فإنهُ أسلوب يشبه أسلوب الحكيم عند أهل البلاغة فأسلوب الحكيم هو أن يسأل السائل عن شيء فيُعرِض المجيب إلى ما هو أنفع للسائلِ من سؤاله فيجيبهُ عنه وتذكرون في حديث أبن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي _صلى الله عليه وسلم _ سئل ما يلبس المحرم ؟ قال : لا يلبس البرانس ولا القمص ولا السراويلات ولا العمائم . ضرب صفحا عما يلبس وذكر ما لا يلبس لأنه محصور محدود و في حديث أسامه بن شريك النبي _صلى الله عليه وسلم _ يسألونه فمن قائل يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو قدمت أو أخرت فيقول النبي _صلى الله عليه وسلم _ لا حرج لا حرج هذا كله لا حرج فيه ثم إن النبي _صلى الله عليه وسلم _ الرحيم الرءوف الشفيق بالأمة يبين للسائل وللناس أين الحرج. لا حرج لا حرج لكن الحرج أين ؟ إلا على رجلٍ مسلم اقترض عرض رجلٍ مسلم وهو ظالم له فذلك الذي حرج وهلك . ليس الحرج في التقديم والتأخير ولكن الحرج في أن تقترض عرض أخيك المسلم وأنت ظالم له فتبهته أو تغتابه. هذا أسلوب الحكيم إخبار الناس أن الحرج ليس في التقديم والتأخير في أعمال الحج وإنما الحرج أن يتكلف الإنسان و يكلف نفسه الظلم و المشقة والإثم العظيم بأذى المسلمين، أنظروا أيها الأخوة إلى الفهم المقلوب لهذا الحديث فالنبي _صلى الله عليه وسلم _ يرفع الحرج عن الأمة في قضية التقديم والتأخير في أعمال يوم العيد ويخبر أن الحرج هو في أذى المسلمين في أعراضهم وإذا كان الحرج و الهلاك في أذى المسلمين في أعراض فكيف بأذاهم في أبدانهم بالضرب والدفع فالنبي _صلى الله عليه وسلم _ يقول التقديم والتأخير لا حرج فيه ولكن الحرج في أذى المسلمين ما الذي يحصل الآن ؟ الذي يحصل الآن من كثير من المسلمين أن الحاج يريد أن يطبق سنةً رُفع الحرج عنه في تطبيقها ويتقحم في سبيل ذلك الحرج والإثم والهلاك تأتي إلى إنسان في الطواف أو في رمي الجمار أو في المسعى أو في غيرها من الأنساك فتجد أنه في سبيل أن يطبق سنةً من السنن في هذه المناسك وهذه الأعمال يرتكب حراماً حرمه الله سبحانه وتعالى ففي سبيل مثلاً أن يرمل أو أن يقبل الحجر الأسود أو أن يسعى بين الميلين أو في سبيل أن يرمي الجمرة في وقت بعينه أو نحو ذلك تجد أن هذا المسلم في سبيل تطيق هذه السنة التي قال النبي _صلى الله عليه وسلم _ لا حرج لا حرج تجد بعض الحجاج يجتمع الأربعة الخمسة العشرة الأشداء الأشاوس ثم يندفعون وقد أحمرت وجوههم وانتفخت أوداجهم و علت زمجرتهم وأصواتهم قد تهيجوا وبعضهم قد رفع ثيابه وربط وسطه وكأنه دخل بين الصفين لا يلوي على شيء أمامهُ امرأة ضعيفة أو شيخ فان أو ضعفاء الناس أو مساكينهم المهم أن يصل عند الجمرة حتى يقف على الحوض ويرميه في وقت معين. انظروا كيف قلبنا مفهوم هذا الحديث ما قال النبي _صلى الله عليه وسلم _ عنه لا حرج حرجنا فيه وما قال النبي _صلى الله عليه وسلم _ عنه فقد حرج وهلك تقحمناه وانتهكناه هذه الشعيرة وهذا النسك بني على اليسر وليس من مقاصد الإسلام في فرضية الحج والأمر بهذه الشعيرة وإيجابها على عباد الله سبحانه وتعالى أن يشق على الناس أو يضيق عليهم أو يحملوا ملا يطيقون أو يكلفوا ما ليس في وسعهم كلا إن الحج عبادة عظيمه فرضها الله عز وجل وأمر بها وجعلها ركنا من أركان الإسلام العظام أعظم مقاصده تحقيق التوحيد وتحقيق كمال العبودية لله سبحانه وتعالى وإقامة ذكر الله وشكره والوقوف بهذه المواقف العظام التي وقفها الأنبياء وتعظيم هذه المشاعر التي عظمها الله سبحانه وتعالى ومن يأتي إلى الحج ولا يرجع إلا بزحام الجمرات وزحام المطاف وضجيج السيارات فإن هذا ما شم بأنفه ولا وجد بقلبه ما أراد الله سبحانه وتعالى أن يجده في الحج إنما فرض الله عز وجل هذا الحج وتأملوا آيات الحج في سورة البقرة وفي سورة الحج تجدُوا أن أعظم مقاصد الحج تحقيق التوحيد ،أعظم مقاصد الحج تعظيم مشاعر الله سبحانه وتعالى وتلك البقاع التي قدسها الله عز وجل وأمر بتقديسها وتعظيمها، من أعظم مقاصد الحج إقامة ذكر الله سبحانه وتعالى فإنما شرع الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله لا ما يضنه كثير من الناس أو يجده أو يرجع به أن هذا الحج إنما هو معركة مصغرة يأتي ويدخلها ليؤذي نفسه ويؤذي أخوانه المسلمين فمن فهم الحج بهذا الفهم فما فهم الحج وما ذاق طعم الحج، فالمشقة والعسر ليست مقصودة في الحج يروى أن ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ سئل هل يغتسل المحرم أو يغسل شعرهُ ؟ فقال ما يصنع الله بنتنِنا . يعني ليس لله عز وجل حاجة في الرائحة الخبيثة أو النتن الذي يكون عليه المحرم إذا لم يتنظف . ما يصنع الله بنتنِنا الله عزوجل ما استقدمنا من بلادنا إلى بيته من أجل أن نلقى في هذا البيت المشقة والعنت وتخرج منا الروائح الكريهة ونحو ذلك. إنما استقدما سبحانه وتعالى وأمرنا بحج بيته لتعظيم هذا البيت وتعظيم الله سبحانه وتعالى بتعظيم هذا البيت وإقامة التوحيد والعبودية وذكر الله سبحانه وتعالى. لو تأملنا أكثر الأسباب التي تٌعلق عليها كثير من الفتاوى التي تشق على المسلمين لوجدنا أنها التعليل بأن النبي _صلى الله عليه وسلم _ فعل هذا الأمر وقال لتأخذوا عني مناسككم . فحينما يقال يجب الوقوف بعرفة حتى تغرب الشمس يعلل بأن النبي _صلى الله عليه وسلم _ فعله وقال لتأخذوا عني مناسككم البقاء في مزدلفة حتى يسفر جدا يقال لأن النبي _صلى الله عليه وسلم _ فعله وقال لتأخذوا عني مناسككم ، المبيت بمنى كل ما تجد من الفتاوى التي يكون على المسلمين أحياً فيها مشقة تجد أن أول دليل يستدل به من يفتي بهذا القول هو أن النبي _صلى الله عليه وسلم _ فعله وقال لتأخذوا عني مناسككم .ولو سألنا من هم أكثر الناس فقهاً عن رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ وفهما لكتاب الله سبحانه وتعالى ؟ فالجواب هم صحابة رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ الذين أختارهم الله عز وجل من الأمة واصطفاهم لصحبة نبيه _صلى الله عليه وسلم _ ولحمل هذا الدين كانوا مع النبي _صلى الله عليه وسلم _ ويسمعونه وهو يقول _صلى الله عليه وسلم _ لتأخذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا.فكيف فهموا هذا الدليل ؟ لو فهموا هذا الدليل كما فهمه كثير من طلاب العلم لما حج عروة بن مضرس هذا الذي ما جاء إلا ليلة الجمع لأن النبي _صلى الله عليه وسلم _ قدم إلى مكة في اليوم الرابع وهذا ما جاء إلا في اليوم التاسع من ذي الحجة فالنبي _صلى الله عليه وسلم _ يقول لتأخذوا عني مناسككم و هذا ما تمتع ولا طاف للقدوم ولا سعى وإنما أتى مباشرة إلى عرفات ، في أعمال يوم العيد قبل قليل ذكرت لكم الحديث المتفق عليه أن النبي _صلى الله عليه وسلم _ كان في يوم العيد يأتيه الإنسان ويقول لم أشعر حتى حلقت قبل أن أرمي أو حتى سعيت قبل أن أطوف أو نحرت قبل أن أرمي و النبي _صلى الله عليه وسلم _ يقول لا حرج لا حرج. الصحابة مع النبي _صلى الله عليه وسلم _ ويقول لهم لتأخذوا عني مناسككم ومع ذلك النبي _صلى الله عليه وسلم _ يبدأ بجمرة العقبة وجزء من الصحابة يذهب إلى المنحر ويذبحون الهدي هؤلاء الصحابة الذين هم أفهم الناس لرسول الله_صلى الله عليه وسلم _ ولكتاب الله سبحانه وتعالى الذين نزل القرآن عليهم واصطفاهم الله عز وجل لصحبة نبيه _صلى الله عليه وسلم _ فهموا قول النبي _صلى الله عليه وسلم _ لتأخذوا عني مناسككم بهذا الفهم النبي _صلى الله عليه وسلم _ يرتب أعمال يوم العيد و جزءٌ منهم يذهب إلى المنحر وينحر وجزء منهم يذهب إلى البيت فيطوف وجزء منهم يذهب إلى الصفا والمروة . أين الفهم ، أن لتأخذوا عني مناسككم يقتضي أن كل ما فعله النبي _صلى الله عليه وسلم _ وكل صفة أتى بها النبي _صلى الله عليه وسلم _ على سبيل الوجوب هذا من أكثر الأشياء التي يتعلق بها أو التي تجد أن كثيراً من الفتاوى التي تشق على الناس أنها مبنية فالنبي _صلى الله عليه وسلم _ أتى بالحج على أكمل صفة وعلى أكمل هيئة وقال لتأخذوا عني مناسككم والصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ كل واحد أتى بالحج مع الاحتفاظ بما لا يصح الحج إلا به تجد أن منهم من قدم شيئا على شيء أو أخر شيئا عن شيء وكل ذلك رفقاً به وهذه هي الحكمة فإن الله عز وجل ما رخص في هذه الأمور إلا من أجل رفع الحرج فالذين حجوا مع النبي _صلى الله عليه وسلم _ يزيدون على مئة ألف لو ذهبوا كلهم إلى جمرة العقبة في وقت واحد مع النبي _صلى الله عليه وسلم _ في لحظة واحدة لقتل بعضهم بعضا فهذا هو فهم صحابة رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ لهذا الحديث الذي نتعلق به كثيراً في التشديد على المسلمين في بعض الفتاوى ونجبرهم بما لا يلزم. بعد أن عرفنا أن هذه الشعيرة مبنية على التيسير وأن المشقة فيها ليست مقصودة و عرفنا أن أكثر ما يتعلق به بعض أهل العلم في التشديد هو هذا الحديث الذي فهمه الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ الذين هم أعظم الأمة وأحسن الأمة فهماً على خلاف فهم كثير من الفقهاء نأتي إلى مسألة التيسير لأننا ندعو إلى التيسير ونقول به ونقول إن الإنسان جاء إلى هذا البيت لتعظيم الله سبحانه وتعالى ولإقامة شعائر دينه و الإتيان بهذا النسك العظيم لكن هذا التيسير له حدود هذا التيسير له نطاق فإنه ليس كما يتبادر إلى ذهن بعض طلاب العلم في هذا الزمن أن التيسير التسهيل في كل شيء لا. كل عبادة فرضها الله سبحانه وتعالى فيها نوع من المشقة وهذا أمر معروف فإن كل عبادة كلف بها الإنسان فيها نوع من المشقة وقد ذكرت لكم قبل هذا المجلس وأنا أذكر لكم الآن أن النبي _صلى الله عليه وسلم _ مثلاً قال "من صلى البردين دخل الجنة" لماذا لأن هذين الوقتين في أدائهما في وقتهما مشقة وفي الحديث الآخر "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" الخروج في وقت الظلام إلى الصلاة فيه مشقة وإسباغ الوضوء على المكاره مثل هذه الأيام الباردة حينما يتوضاء الإنسان بماء بارد هذا من إسباغ الوضوء على المكاره. حينما يقوم الإنسان من فراشه لصلاة الفجر حينما يحبس الإنسان نفسهُ عن الطعام والشراب والشهوات في الصيام فإن كل عبادة لا تخلو من المشقة وليس المقصود أن العبادة لا يكون فيها مشقة البتة لا. هذا نوع من الابتلاء و الامتحان لعباد الله سبحانه وتعالى من منهم يستقيم على طاعة الله ويؤثر محبوبات الله على محبوباته يقول الله عز وجل " فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى " لا بد في العبادات أن تنهى نفسك عن هواها لا بد أن تترك ما تشتهيه نفسك وتأتي أشياء تكرهها حفت الجنة بالمكارة فمطلق المشقة لا بد أن توجد في التكاليف الشرعية ولكن المشقة الزائدة هي التي رفعها الله سبحانه وتعالى في هذا الدين وعن عباد الله المؤمنين وأما مطلق المشقة فإن هذا مما لا يكاد يخلو منه عمل من الأعمال وأين من عباد الله من يصل إلى مرحلة أنه تكون الصلاة عليه لذة بعد أن كانت مشقة ويكون الصيام له لذة ، هذه مرحلة سامقة وعالية و إنما ينالها أفراد من الأمة ممن تذوقوا طعم العبادة ولذة المناجاة وكانوا أشباها برسول الله _صلى الله عليه وسلم _ حينما قال وجعلت قرة عيني في الصلاة لكن الأصل أننا وسائر عباد الله نجد مشقة في التكاليف الشرعية فمطلق المشقة ليس منفيا ولكن المشقة الزائدة التي يجد فيها الإنسان مشقةً وعُسراًً في الإتيان بهذه التكاليف الشرعية هي المرفوعة فما هي حدود التيسير ؟ من الإشكالات التي وجدت في هذا الزمن ووجدت حينما وجد هذا الزحام الشديد في مشاعر الحج أنه ظهرت بعض الفتاوى التي بزعم التيسير على الحجاج والتسهيل عليهم نسفت كلام أهل العلم و نسفت الأصول التي بني عليها فهم الأدلة الشرعية والترجيح بين الأقوال وهذا ما قد يلتبس على الإنسان بالتيسير الذي نقول إنه موجود في هذه الشعيرة وفي هذه العبادة فنحن نقول إن الحج مبني على التيسير ولكن ليس التيسير هو الذي يفهمه بعض طلاب العلم أو من ينتسبون إلى العلم فمن طلاب العلم من تجد أنه في كل مسألة من مسائل الحج وأنت تقرأ له بحثا أو فتوى أو نحو ذلك. يبحث في أقوال أهل العلم في المسألة من أهل العلم من قال يجوز الرمي قبل الزوال ومنهم من قال لا يجوز الرمي قبل الزوال يصل إلى هذه الدرجة ولا ينظر في الأدلة مطلقاً يقول قال بالرمي قبل الزوال عطاء وابن طاووس وأبو جعفر الباقر والإسلام دين يسر وسماحة وسهولة والمشقة تجلب التيسير ويأتي بأدلة عامة في المشقة والتيسير ثم يقول ولا حرج على من رمى قبل الزوال. ويأتي إلى مسألة أخرى وهكذا فتجد أن هذا العالم أو طالب العلم أو الباحث لم يعرج على الأدلة ولم ينظر فيها وإنما نظر في شيء واحد هل هناك أحد من أهل العلم قال بهذا القول فإذا قال به وهو أيسر وأسهل أفتى به. هذا في الحقيقة ليس عمل العلماء وطلاب العلم هذا عمل العوام _ عند بعض أهل العلم _ وإلا فالأصل عند أهل العلم أن العامي إنما يقلد من يثق بعلمه ودينه وليس على الإطلاق أن العامي مخير بين أقوال أهل العلم فلان يفتي بهذا وفلان يفتي بهذا ويأخذ ما شاء لكن على القول أنه مخير نقول إن هذا هو فقه العوام أن الإنسان ينظر في الفتاوى ويختار ما شاء أما طالب العلم فليس هذا هو عمل طالب العلم. عمل طالب العلم أن ينظر في الأقوال ثم ينظر في الأدلة ثم يوازن بينها ثم يرجح وفق الأدلة الشرعية وتكون مراعاة المشقة والعنت الذي يلحق المسلمين من أسباب الترجيح أما أن يضرب عن الأدلة صفحاً ويكتفي بأن هذا القول قال به فلان ، فإنك لن تجد مسألة من مسائل الفروع إلا و فيها أقوال متعددة وأهل العلم يقولون إن هذا القول شاذ . القول إذا كان بخلاف الدليل يكون شاذاً فلو أن الإنسان بحث في كل مسألة لن يعدم في كل مسألة أن يجد قولا ربما يكزن شاذا وتذكرون فيما سبق أننا تحدثنا عن الوقوف بعرفة وقلنا إن عامة أهل العلم يقولون إن من وقف بعرفة نهاراً ولم يقف ليلاً فإن حجهُ صحيح لم يخالف في ذلك إلا الإمام مالك ـ رحمة الله تعالى عليه ـ قول الإمام مالك في هذه المسألة شاذ لأنه بخلاف الأدلة حتى قال ابن عبد البر وهو مالكي : لم يوافق مالكاً على ذلك أحد. أنفرد مالك ـ رحمه الله تعالى ـ بهذا القول المخالف للحديث الصريح حديث عروة بن مضرس ( وكان قد وقف بعرفة ليلاً أو نهاراً ) إذاً مجرد أن المسألة فيها قول لأهل العلم ليس هذا مسوغا لطالب العلم أن يتخير من الأقوال دون النظر إلى الأدلة لا. طالب العلم مطالب بأن ينظر في الأدلة ويرجح ما يراه راجحا بالدليل بعض طلاب العلم يأخذ منحى آخر في الفهم للتيسير ما هو هذا الفهم ؟ يذكر للمستفتي أو العامي أقوال أهل العلم في المسألة ويقول : أنت بالخيار. وأذكر أني قرأت لأحد المفتين أن رجلاً سأله قال عندي حساب في البنك وأخذت عليه فوائد هل أحج بهذه الفوائد أم لا ؟ فقال له المفتي: بعض أهل العلم يرى أن هذه الفوائد ربا وبعض أهل العلم يرى أنها ليست بربا. وعلى القول بأنها ليست من الربا يجوز لك أن تحج وأنت بالخيار بين القولين. خذ ما تشاء . طيب هو بالخيار باعتبار أنه عامي مخير بين هذين الأمرين لكن أنت كعالم هل يسعك أمام الله عز وجل أن تقول بحل الفوائد البنكية الربوية. هذا فهم خاطئ للتيسير، أحد طلاب العلم كان في حملة مثلاً فقال لأصحاب الحملة لا تطوفوا للوداع لماذا ؟ قال لأن المالكية يقولون إن طواف الوداع سنة. نظر إلى أن هناك من أهل العلم من قال بأن طواف الوداع سنة وما نظر في الدليل ففي الصحيحين من حديث ابن عباس أن النبي _صلى الله عليه وسلم _ قال لا ينفرن أحد حتى يكون آخرُ عهده بالبيت" وفي رواية لمسلم أن الناس كانوا ينصرفون في كل وجه فأمر النبي _صلى الله عليه وسلم _ مناديا أن ينادي لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت رسول الله _صلى الله عليه وسلم _ يقول لا ينفرن أحد و من القواعد والأصول أن هذا نهي عن أن ينفر الإنسان قبل الوداع وأمر بطواف الوداع والنبي _صلى الله عليه وسلم _ يقول لا ينفرن أحد. أحد هنا نكرة ، ولا ينفرن هذا نهي وأهل العلم يقولون النكرة في سياق النهي تعم، يعني لا ينفر أحد من الناس أي حاج لا ينفر حتى يطوف للوداع إلا أنه رخص للحائض. فطالب العلم هذا ألا يسعه أن يقول لأصحاب الحملة لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت أو يقول قال النبي _صلى الله عليه وسلم _ إذاً هناك فهوم خاطئة لمعنى التيسير في الحج. التيسير في الحج أيها الأخوة هو الأخذ بأيسر الأقوال التي تحتملها الأدلة
وليس كل خلاف جاء معتبرا * * * إلا خلاف له حظ من النظرِ
أما أنه هذا القول قول شاذ لا تحتمله الأدلة ولا مساغ له في الدين ثم لمجرد أن هذا القول قال به بعض أهل العلم يقول هذا قال به أحد الأئمة المعتبرين ، الأئمة كلهم مجمعون على أنه ليس أحد منهم معصوما كلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم والعالم قد يكون من الصحابةـ رضوان الله عليهم ـ ولكن خفيت عليه سنة من السنن أو أمر من الأوامر فخالفهُ. فنحن نعتذر له لكن لا نوافقه على الخطأ ولا نوافقه على مخالفة الدليل إنما الدين كتاب الله وسنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فالتيسير هو الأخذ بما يناسب أحوال الناس وما يرفع الحرج والمشقة عنهم مما تحتمله الأدلة، مما له حظ من النظر،مما له مساغ ، وليس التيسير هو أن تضيع أوامر الله سبحانه وتعالى وتضيع أوامر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا. أحياناً تكون المشقة هي اليسر والراحة هي العسر وهذا في كل العبادات فإن الأيسر للإنسان ألا يعمل شيئا. الأيسر للإنسان ألا يصلي الأيسر للإنسان ألا يصوم شهراً كاملاً والأيسر للإنسان أن لا يخسر ماله ويتعب بدنه ويذهب إلى الحج لا و لكن الأرفق و الأيسر للإنسان هو أن يطيع الله سبحانه وتعالى فهذه هي الرحمة وهذه هي الشفقة و هذه هي النصح للأمة النصح للناس أن تدلهم على أوامر الله وعلى أوامر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن هذا هو الخير لهم وهذه هي الرحمة بهم وهذا هو سبيل النجاة والفوز ولست الرحمة واليسر أن تخرجهم من أوامر الله و أوامر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمجرد أن هذا القول قال به فلان أو قال به علان. ففي مسألة الفهم لمعنى التيسير في الحج هذه أمور مهمة ولو أن أحدكم ذهب إلى بعض الفتاوى التي تصدر لوجد أن بعض تلك الفتوى ليس فيها استعراض للأدلة الواردة في المسألة البتة تجد أن هذا العالم أو المفتي أو طالب العلم ما ذكر في فتواه إلا أن هذا القول قال به فلان ثم يأتيك بالأدلة التي تدل على رفع الحرج والمشقة وأن هذا الدين يسر وسماحة وسهولة وأنه افعل ولا حرج. وفهم افعل ولا حرج على غير مساقها وعلى غير ما أريد بها لا شك أن هذا من الجرأة على الفتوى والجرأة على دين الله سبحانه وتعالى و الناس قد يعذرون بأخذ هذه الفتوى ولكن المفتي لا يعذر بما خرج منه وما صدر منه نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيذنا من فتنة القول والعمل و أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه وأن لا يجعله ملتبسا علينا فنضل إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين ....

بواسطة : essaher
 0  0  373
التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 06:01 مساءً الثلاثاء 14 مايو 2024.